الخطر الصحي القادم

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

يتزايد الحديث وكذلك التصريحات الرسمية هذه الأيام عن قضية أزمة الغذاء التي تهدد أمماً وشعوباً عديدة في العالم. والجديد في هذه الأزمة أنها تنطوي على أخطار صحية، تحمل في باطنها الأوبئة والأمراض والموت.
 وتعود أزمة نقص الغذاء التي تواجه العالم حالياً إلى عاملين اثنين؛ أولهما ظرفي ويتمثل في الحرب الأوكرانية، وتداعياتها السلبية على سلاسل إمداد الغذاء من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك. والعامل الآخر دائم عنوانه: المناخ المتطرف وما يحمل في جوفه من أخطار الجفاف والتصحر والقحط والفيضانات والعواصف المدمرة، إضافة إلى الصراعات والحروب الأهلية في العديد من دول العالم الثالث ذات الكثافة السكانية.
 ويؤكد الخبير الدولي بيتر ساندز، أن التهديد الصحي الجديد الناجم عن أزمة الغذاء، وارتفاع أسعاره، وصعوبة نقله إلى المناطق والأشخاص المنكوبين، «ليس واضح المعالم» كالجراثيم الجديدة التي تظهر ومعها عوارض جديدة ومحددة، «لكنه يمكن أن يكون مميتاً بنفس القدر».
 وبحسب هذا الخبير الذي يعمل مديراً لصندوق مكافحة الإيدز والسل والملاريا، فإن نقص الغذاء يعني أنك تواجه مأساة موت الناس بالجوع من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن هناك أعداداً أكبر بكثير من الناس سوف يعانون سوء التغذية الحاد، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الموجودة. وباختصار فإن التهديد الصحي الذي يطرحه نقص الغذاء على حياة البشر، يعادل التهديد الصحي الذي حملته الجائحة إلى عالمنا.
 ولكن ما وسائل مواجهة هذا الخطر الجديد الذي ليست له معالم واضحة لكنه خطر ومميت؟ يقول ساندز: إن الحاجة مُلحة إلى اختيار طرق جديدة في التفكير وخطط المواجهة الاستباقية، تختلف عن الطرق التقليدية المعروفة. والتقليد المعروف عند ظهور الجوائح أن تعلن الدول والمنظمات حالات الطوارئ عند وقوع الكارثة، واضحة المعالم، وتضع لها المعالجات، لاحتواء أخطارها.
 غير أن التهديدات الصحية الجديدة لا ترتبط بالضرورة بظهور أوبئة جديدة أو جوائح. فالأمراض الموجودة فعلاً ستخرج عن نطاق السيطرة وتحصد أعداداً كبيرة من الجوعى العاجزين عن مقاومتها. كما أن الاستجابة الدولية ستكون متأخرة كثيراً بحسب الخبراء؛ وذلك بسبب غياب الوعي المبكر، وبالتالي غياب الاستعداد الضروري لمواجهة التداعيات الصحية الخطرة لنقص الغذاء.
 الاستجابة الدولية ستكون أيضاً مقيدة بسبب أولويات الدول الغنية في توجيه فوائض أموالها، لتحقيق الاستقرار، وتهدئة الأسعار داخل دولها ولمصلحة مواطنيها، ولن تقدم إلا أقل القليل للمجتمعات المنكوبة في قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
 وغني عن القول، إن العديد من الدول ليست معنية بالأخطار الصحية المحدقة نتيجة أزمة الغذاء. ففي أسوأ الأحوال قد يواجه مواطنو تلك الدول بعض الصعوبات من جرّاء ارتفاع أسعار السلع ومضايقات أخرى خفيفة الوزن والأهمية، من دون أن تمثل تهديداً وجودياً للإنسان ومستوى استقراره وأمنه ورفاهيته.
 لكن بالنسبة لمجتمعات أخرى أقل حظاً وتعاني هشاشة وسوء إدارة ونزاعات داخلية محتدمة وتمزقها الكوارث الناجمة عن التغيير المناخي، فإن أزمة نقص الغذاء الحالية، تعني حرفياً البقاء على حافة الهلاك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"