توريط الغذاء في الحرب

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

غانا وأوغندا تحظران تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى. فقد وسعت الحكومة الغانية الحظر المفروض على صادرات الحبوب ليشمل تمديد الحظر المؤقت على تصدير الذرة والأرز وفول الصويا والحبوب الأخرى الذي طُبق اعتباراً من سبتمبر 2021 حتى سبتمبر 2022. ويوم السبت 14 مايو 2022 قررت الحكومة الهندية حظر تصدير القمح بسبب ما قالت إنه مخاوف من موجة حر مبكرة أفسدت المحاصيل في البلاد وتسببت بارتفاع الأسعار المحلية إلى مستوى قياسي. وبموجب القرار تم نقل تصدير جميع أنواع القمح، بما في ذلك القمح الصلب عالي البروتين وأنواع الخبز الطري العادي، من فئة «المسموح بتصديرها» إلى فئة «المحظور تصديرها».
وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش غويال الذي كان يشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، قال في إحدى جلسات المؤتمر يوم 25 مايو 2022، «هناك اليوم 22 دولة أوروبية تضع لوائح تقييدية بشأن الصادرات لحماية أمنها الغذائي. وهذا يعطي الهند ودولاً أخرى الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية في فترات زمنية مختلفة من أجل المصلحة العامة. فالقيود على تصدير الحبوب، تهدف إلى تهدئة الأسعار المحلية؛ حيث تكافح الهند، مثل البلدان الأخرى، التضخم الذي بلغ 7.8% في إبريل الماضي، وهو الأعلى منذ ثماني سنوات». 
وبعد القمح وضعت الهند أيضاً سقفاً أقصى لصادرات السكر عند 10 ملايين طن بهدف إبقاء الأسعار المحلية للسكر منخفضة. ومع ذلك فإن هذا السقف يفوق ما صدّرته الهند في السنة المالية 2021-2022 (7 ملايين طن)، ويفوق طاقتها الإنتاجية الإجمالية المحتملة المقدرة بنحو 9 ملايين طن. وفيما خص صادرات الأرز، فقد ردت الهند (أكبر دولة منتجة وثاني أكبر دولة مستهلكة للأرز في العالم)، بالنفي على شائعات بقرب حظر صادراتها من الأرز،؛ حيث أكدت مصادر تجارية وحكومية أن الحكومة لا تخطط لتقليص صادرات البلاد من الأرز، بالقول إنها تتوفر على مخزون كافٍ منه وأسعاره المحلية أقل من أسعار الدعم التي حددتها الدولة (أي أن الأرز لم يطله التضخم بعد). إنما هناك بالفعل نقاش دار قبل يومين من هذا النفي، حول هذا الموضوع داخل أروقة لجنة حكومية برئاسة مكتب رئيس الوزراء تقوم بإجراء تحليل لكل منتَج على حدة للسلع الأساسية، بما في ذلك الأرز غير البسمتي، ما يعني أن إجراء مماثلاً لما حصل للقمح والسكر يمكن أن يطال الأرز في حال لوحظت مؤشرات على ارتفاع أسعاره محلياً.
وكما هو معلوم فقد تسببت الحرب الروسية الأوكرانية بإخراج جزء كبير من صادرات القمح العالمية من السوق، وتركت البلدان التي تعتمد على هذه الصادرات، مثل مصر وتركيا ولبنان، في مأزق، دفعها للبحث عن بديل في الهند التي تعد ثاني أكبر منتج للقمح في العالم بعد روسيا، لسد العجز في مخزوناتها من القمح. لكن الحكومة الهندية فاجأت الجميع بقرار حظر صادراتها من القمح.
لكن الأمر مختلف بالنسبة لسلعة الأرز التي تعد سلعة استهلاك رئيسية (استراتيجية إن شئتم) بالنسبة لبلدان المنطقة العربية. فصادرات الهند من الأرز هي في أعلى مستوياتها، عند 21.2 مليون طن في السنة المالية الهندية المنتهية في مارس 2022 (مقارنة ب 17.8 مليون طن في العام السابق). كما أن أسعار سلعة الأرز تنخفض، وهي بعيدة عن تأثيرات الحرب في أوكرانيا لأن طرفيها ليسا منتجين للأرز كما هو حال القمح، فلن تحتاج الهند لوضع قيود على صادرات الأرز، على الأقل في الأمد المنظور.
الغرب الذي يدافع بكل شراسة عن استمرار هيمنته على نظام امتيازات الأحادية القطبية، يبرئ نفسه من أزمة الغذاء العالمية التي بدأت مع تقطّع سلاسل التوريد بسبب جائحة كورونا، وتفاقمت بسبب الحرب الروسية الأطلسية على الأراضي الأوكرانية. الأيكونومست البريطانية اعترفت بأزمة غذاء عالمية خطِرة، من مظاهرها ارتفاع أسعار القمح العالمية بنسبة 69% منذ بداية العام الجاري، لكنها لا تذكر شيئاً عن مسؤولية الغرب في حدوثها عبر حزم العقوبات الغربية ضد روسيا والتي شملت قطع اتصالات البنوك الروسية مع المصدرين والمستوردين في العالم، عبر إخراجها من نظام «سويفت»، وحرمان السفن التجارية الروسية من استخدام الموانئ الأوروبية، وحرمان المتعاقدين وشركات الشحن الروسية من التغطيات التأمينية.
هناك مؤشرات على حدوث مشكلة إمدادات غذائية في العالم، سواء بسبب الحرب أو بسبب فقدان سيطرة البنوك المركزية في أمريكا وأوروبا على التضخم. وتحوطاً لهذا الطارئ، يتعين على كل دولة، ومنها بلداننا العربية التي تعتبر مستورداً صافياً لمعظم حاجياتها من الغذاء، إجراء جرد للموارد الحالية، وزيادة مخزون الغذاء على المدى القصير والطويل، وتشجيع سياسة إحلال الوارد الغذائي؛ حيثما كان ذلك ممكناً، والتدرب الفردي والجمعي على كيفية حفظ الغذاء.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"