دعاة الفتنة في ليبيا

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

ليبيا، يوم إلى الأمام.. وأيام إلى الخلف.. وأسابيع وشهور محلك سر، ما وضع الخبراء والمختصين في حالة عجز عن توصيف ملامح المستقبل، ووضع الليبيين في حالة قلق وتوجس من الآتي، ووضع الطامعين والفاسدين في حالة من الرضا بما حققوه من نجاح في إصابة الدولة بالعجز الاقتصادي والتأزيم السياسي والشلل الاجتماعي، ووضع مؤسسات الحكم في حالة من التنازع على السلطة. 
 حكومتان تتنازعان السلطة وتتصارعان على شعب فقد الثقة في الجميع، وصل حد استعراض كل منهما لقوته أمام الآخر إلى ترويع حياة الآمنين وتحويل ميادين العاصمة طرابلس إلى ساحات اقتتال بلغت حديقة للعائلات، روعت الأطفال بعد أن كانت الحديقة ساحة فرح وبهجة، ونجحوا في تغيير ملامح المدينة لتظللها الكآبة بعد أن حاصرتها الآليات العسكرية وصال وجال فيها المسلحون ونال منها الحزن على من سقط ومن سيسقط من الأبرياء الذين لا يجدون ملاذاً يهربون إليه من عنف المقاتلين وجموح أولياء الأمر من السلطويين. 
 حكومة الوحدة بقيادة عبدالحميد الدبيبة لم تكرس سوى الفرقة والتشرذم، ومنذ الإعلان عن تشكيل حكومة الاستقرار بقيادة فتحي باشاغا ازداد الاضطراب وكثرت القلاقل وارتفع صوت التهديد والوعيد بعد صمت كان مصطنعاً، وبعد وعود وعهود بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية تبخرت وطارت، ولأنه لا يريد النزول من عليائه السلطوي كانت مناورته بإجراء انتخابات نيابية فقط متغافلاً مع سبق الإصرار عن الرئاسية حتى يضمن ألا ينازعه أحد على كرسيه حتى لو كانت الأرض تحته مزلزلة وغير مستقرة. 
 مجلس أعلى للدولة، ومجلس رئاسي، ومجلس نيابي، وحكومتان، ولجان أمنية وعسكرية ودستورية، وجيشان، واجتماعات هنا وهناك.. كله معدوم الفائدة وعاجز عن تحقيق الاستقرار والمضي بالشعب والدولة خطوة للأمام؛ سلطات ينبغي أن تتكامل وتتعاون ولكنها تتصادم وتتقاتل وتتنازع الصلاحيات، ورغم ذلك فإن الصوت العالي والكلمة الفاصلة ليست لأي منها إنما للميليشيات والمرتزقة اللتين يحتمي وراءهما هذا الطرف أو ذاك وتقرران بالنيابة عنه، وما هو إلا منفذ لأوامر آمريها، حتى يكون اليد التي يبطش بها شركاء الوطن. 
 الفتنة تطل برأسها من جديد على الدولة الليبية بعد أن كثر دعاتها وعلى رأسهم المفتي الإخواني المقال الصادق الغرياني الذي أعلن الحرب على حكومة الاستقرار الجديدة برئاسة باشاغا، وقال بفم مدنس برائحة الموت:«يجب مقاتلة حكومة باشاغا وحلفائها، بكل قوة وصلابة والاقتصاص منهم وليس مهادنتهم»، معتبراً أن «وقف الدماء يستوجب سفك المزيد منها»؛ هذا الكلام ليس غريباً أن يصدر عن إرهابي يريد لأبناء شعبه أن يسفكوا دماء بعضهم سائراً على طريق أستاذه القرضاوي الذي ساهم في تخريب دول بفتاواه الدموية خلال كابوس الخريف العربي، الذي لم يخلف سوى تفتت وخراب ودمار. 
 دعاة الفتنة في ليبيا ليسوا فقط من يدفعون إلى إحياء الفوضى في ربوع ومدن الدولة الليبية، ولكنهم أيضاً من تعهدوا بمحاسبة المعرقلين لإجراء الانتخابات في موعدها، ورغم مرور شهور لم يتخذ أي منهم موقفاً واضحاً، واكتفوا وما يزالون بالتصريحات الضبابية مثل جملة المبعوثة الأممية إثر اشتعال ليبيا «طفح الكيل.. وكفى يعني كفى!!»، ولا ندري ماذا هي أو غيرها ممن يكتفون بالتصريح فاعلون بعد أن طفح الكيل، ولا ندري تفسيراً لمواقفهم الملتبسة من الحكومة الفاقدة لشرعيتها والحكومة المشكلة بتكليف من البرلمان والتائهة بين المدن الليبية لا تجد لنفسها مقراً ولا مستقراً. 
 هذا الأسبوع سيكون حاسماً في الأزمة الليبية، والقادم لن يكون أفضل بل هو مرشح للتصعيد، ويمكن أن تعود الفوضى أقوى مما كانت، فبعد أيام وتحديداً في 24 يونيو/ حزيران الجاري سينتهي أجل خريطة الطريق التي جاءت بحكومة الدبيبة ومعها تنتهي شرعية حكومة الوحدة بشكل رسمي، ورغم ذلك صرح بأنه لن يرحل حتى إجراء الانتخابات، وهو ما يهدد بفصل جديد من الفوضى في ليبيا. 
 حل الأزمة الليبية في تعاون أبنائها وليس في تصارعهم، وفي استيقاظ الضمائر وليس في دفنها، وفي تقديم مصلحة الدولة والشعب على مصالح الأفراد، ولكن كيف يتحقق ذلك؟ هذا هو السؤال الذي لا إجابة عنه تلوح في الأفق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"