مغارة عجائب الدنيا

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

تفتح مكتبة محمد بن راشد باباً آخر لتوطيد الصلة بين الناس والكتاب، وبرهاناً على أن المستقبل يبدأ بكتاب والتاريخ يجمع منجزاته في مكتبة.
وكلما قرأنا شيئاً عن ذكريات كاتب أو عالم أو فنان تربى في مكتبة وتدرج بين كتبها فكأننا عشنا نفس الظروف وتخيلنا نفس المواقف والأفكار في حياة تتشابه إلى درجة التطابق رغم بعد المسافات، واختلاف اللغات، وأسماء الأماكن، والجغرافيا.
هكذا وكلما افتتحت مكتبة جديدة، تتوحش مخاوفنا في أن يسبقنا آخرون لقراءة أكثر ما فيها ولا يتركون لنا أمنية قراءة كل ما تحمله أرففها من صنوف الكتب. وأستعيد مع كل مكتبة حلم طفولة عزيز لطالما تمنيت فيه أن أنسى يوماً وأجد نفسي سجينة مكتبة يغلق أمين المكتبة بابها علي، وينسى حارس الأمن تفتيش القاعات قبل الانتهاء من طقس الإغلاق اليومي ويرحلا لأغفو بين الكتب، ساهرة مع كل من اقتحموا عالمي وخضت وإياهم أحلى وأقسى ما لديهم من ذكريات.
كانت المكتبة ولا تزال بالنسبة لي طريق إلى الحياة وملتقى لأصحاب الرأي وندوة لمناظرات تتقاطع أو تتواصل، تختلف أو تتفق، فهي ليست مخزناً لجمع الكتب أو تصنيفها، بل مغارة عجائب الدنيا ومجمع جواهرها التي لا يمكن لمن يدخلها الاكتفاء بالغرف مرة من كنوزها المتراكمة، بل يظل مشدوداً لمعرفة ما يخفيه كل غلاف مغلق.
ومع أن استعارة الكتب من المكتبات في تراجع بسبب التقدم التكنولوجي لكنه لا يلغي واقع أن الإلهام يبدأ من رؤية الكتب المصفوفة على الأرفف والخيال يموج مع جاذبية رائحتها والهدوء الشائع في المكتبات وما يبعثه من سكينة يندر العثور على مثلها في مكان آخر. وكما توفر المكتبة مساحة هادئة للجلوس والقراءة والتفكير والقيام بالبحث تمنح كل شخص بطاقة هروب حقيقي من العالم الخارجي.
كانت أهمية المكتبات واضحة بالنسبة لي على المستوى الشخصي بشكل كبير، فهي المكان الذي ارتسمت صورته في هدفي المستقبلي، واليوم لا تزال تبعث في روحي شعور الطمأنينة الذي تلهمه الكتب المصطفة على الأرفف، والتفكير بمن كتبوها وتخيلهم وهم يسطرون الكلمات ويعيشون لحظات تتجسد فيها كل معاني الوحي وفلسفة الحياة.
تلك متعة لا تقدر بثمن أن كنت دائماً صديقة جيدة للمكتبة العامة في دبي، وقارئة نهمة تخوض مع نفسها منافسات لاستعارة أكبر عدد منها والتهام محتوياتها وجمع المزيد من المفردات الجديدة، وزائرة يومية لمكتبة المدرسة في جميع المراحل وأمينة مكتبة الفصل إن سنحت لي تلك الفرصة.
ولدت المكتبات في الإمارات بطاقة مؤسسات ثقافية تحتضن المواهب وتسير بهم نحو المستقبل وجسور تشع بنور يهدي العالم لمساره.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"