تذوق الجمال

22:46 مساء
قراءة 3 دقائق

د. باسمة يونس

الفن مصطلح لمجموعة كبيرة ومتنوعة من اللوحات إلى المنحوتات ومن العمارة إلى التصميم وفي العصر الحديث انضم الفن الرقمي الى القائمة واحتل موقعاً مهماً فيها. ويهدف الفن إلى تحفيز الفكر والحوار بين مشاهديه فمن خلال التفكير في عمل فني يتعمق كل منا في تجاربه الخاصة وحنينه إلى الماضي لأنه يعني شيئاً مختلفاً لكل منا وليس علينا أن نكون فنانين لنقدر الفن.
والحقيقة المحزنة أن الكثير من الناس لم يدخلوا أبداً إلى المعارض الفنية والمتاحف، بل ويحجم البعض عن القيام بذلك ليس لأن تلك الأماكن غير جذابة ولا تتناسب مع الأماكن التي قد يرغب أحد بقضاء الوقت فيها، بل لأنه بينما يعتقد البعض بأنهم لا يستطيعون رؤية العبقرية في الفن ولا يفهمون تعقيداته وينفرون منه فيحجمون عن التواصل معه أو الارتباط به يراه غيرهم مجالاً احترافياً ضيقاً لا يهم سوى الفنانين أو الذين يطمحون لأن يصبحوا فنانين. والأسوأ أن يشبهه البعض الآخر بالتحديق في زهرة جميلة بلا فائدة ترتجى لأنهم لم يتعلموا أهمية النظر إلى إعجاز الخلق في زهرة ولم يتدربوا على التفكير بجماليات الحياة والتأمل فيها فغاب عنهم أن الزهرة فن مذهل يتذوق العارفون به أصل مكوناتها وجماليات صياغتها وإبداع وجودها وما يحصل عليه الناس عند النظر إليها.
إن ما يجعلهم يفكرون بصعوبة الارتباط بالفن رغم أنه جزء من تاريخهم وثقافتهم ويمكنهم الاستمتاع به بمشاركة حواسهم أنه ليس من السهل «الدخول» في عالم الفن والتواصل معه بسبب تعقيده ولأنه ليس بالبساطة التي يخالها البعض ممن لم يتعلموا الهدف من الفن، وبالتالي فلا رغبة لهم بما يتطلب وقتاً وجهداً لتعلم تذوقه والاستمتاع به ولأن المعارض والمتاحف تحتوي على مجموعات كبيرة وآلافاً مؤلفة من الأعمال الفنية التي لن يتمكن أي شخص من استيعاب العشرات منها بسهولة ما يجعل تذوقها أشبه بالمستحيل.
ورغم أنه من الصعب جداً تعليم «تذوق» الفن لأي شخص لا يعرف شيئاً عن الفن وليست لديه أي فكرة عن مدى صعوبة الرسم أو تأليف مقطوعة مثلاً، فالخبر الجيد أن عدداً كبيراً من الناس يقدرون الفن من دون تعلم، بل ويستمتعون بمشاهدة أو الاستماع إلى أنواع معينة منه من دون التفكير في تعقيداته ما يعني أن البدء بالتعمق في تذوقه ليس شائكا ولا يتطلب الكثير.
ومع أنه لا توجد طريقة واحدة للقيام بذلك لكن أفضلها هي طريقة البدء تدريجياً بتعلم تقدير الفن، انطلاقا من حقيقة أن الفنان شخص أبدع شيئاً من لا شيء ليضيف السحر إلى حياتنا ويمس شغاف قلوبنا، وبأنه لديه منظور حول موضوع معين يريد إطلاعنا عليه بطريقة تختلف عما يفعله الآخرون، فشراء العمل الفني ليس للزينة فقط، بل للاتصال بفكر وتاريخ الفنان ومعرفة القصة وراء عمله ولأهمية مشاعرنا التي يمسها الفن ويتعاطى معها ويتجاسر على تعزيتها في الوحدة أو الصمت.
وينجح التعلم التدريجي بتشجيع الناس على تذوق الفن من خلال تعلم زيارة متحف للتفرج على مجموعة صغيرة فيه، والشعور بالحب من أول نظرة بمشاهدة الأعمال التي ينجذب اليها و تعلم معرفة ما يريد الفنان أن يقوله أو ينقله له من خلالها.
ويساعد ذلك على تدريب العقل على الانفتاح على جماليات الحياة والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة وتقبلها واستكشاف وتحليل الفنون والتعاطف مع ما لا يستطيع المتفرج التعبير عنه، كما يفعل الفنان ويثير لديه مشاعر الفرح والحزن والألم والغضب ويعتبر طريقة جيدة لفهم التاريخ وقضايا المجتمعات التي يعكسها الفنان في أعماله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"