عادي
أحد أبرز الوجوه إثارة للأسئلة

بيكاسو.. المشاهد سجين دائرة الغموض

17:40 مساء
قراءة 3 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود
تجربة فريدة وغامضة وعامرة بألوان، تلك التي يخوضها الإسباني بابلو بيكاسو «1881 ـ1973»، الرسام والنحات والتشكيلي مؤسس الحركة التكعيبية وأشهر فناني القرن العشرين، وارتبطت أعماله بمراحل حياته التي منحها ألواناً ترمز إلى الحالة النفسية، فهنالك الفترة الزرقاء والوردية، وتلك المراحل مهمة جداً في تفسير رسوماته.
لوحة «الصبي والغليون» تعتبر من تحف بيكاسو، رسمها عام 1905، خلال الفترة الوردية، وكان حينها يبلغ من العمر 24 عاماً، وقد انتقل لتوه ليسكن في حي مونمارتر في العاصمة الفرنسية باريس، كان حينها لا يزال فناناً يكافح الحياة؛ إذ كان يعيش في فقر في مبنى فنان متداعي، والفترة الوردية في حياة بيكاسو هي تلك التي أعقبت المرحلة الزرقاء، التي تشير إلى حالة نفسية محتشدة بالحزن، وسميت بهذا الاسم بسبب اللون الأزرق ودرجاته الذي سيطر على جميع لوحاته خلال تلك السنوات؛ حيث سيطرت عليها الأعمال الكئيبة المستوحاة من إسبانيا والتي رسمت في برشلونة وباريس، وأصبحت الأكثر شعبية من بين رسوماته، أما المرحلة الوردية التي تنتمي إليها لوحة «الصبي والغليون»، فقد اكتسبت نوعاً من الأمل وهي فترة تطور فيها أسلوب بيكاسو بشكل ملحوظ، وتعتبر من أهم المراحل التي كون فيها أسلوبه الذي اشتهر بسببه، وتميزت بدرجات الوردي والبرتقالي الناصع في أغلب لوحاته، بعد أن تبدلت حالة الحزن واليأس التي سيطرت على بيكاسو بأخرى بها من السعادة ما يكفي لأن يظهر في لوحاته، وقد اكتسبت موضوعات تلك الفترة طابعاً رومانسياً، وفي بعضها ظهر شيء من العزلة، لكنها بعيدة عن الحزن الذي كان في الفترة السابقة.
*خلفية
يظهر في اللوحة صبياً باريسياً يرتدي ملابس زرقاء، وعلى رأسه إكليل من الورد، بينما يمسك بيده اليسرى غليوناً يكاد يلاصق الحافة اليمنى من صدره، وفي المشهد الخلفي هناك باقتين من الزهور في مناخ وردي، واللوحة هي امتداد لسلسلة طويلة من الأعمال الفنية التي شكلت «مرحلته الوردية»، وكان بيكاسو قد أنجز الكثير من «التخطيطات التمهيدية» للصبي الذي كان يحمل اسم لويس الصغير، وكان ذلك الفتى يتردد كثيراً على مرسم بيكاسو، فقد كان من أشد المعجبين به، وفي بعض الأحيان كان يبقى طوال النهار وهو يراقب بيكاسو المنهمك في عمله، وكان يستمتع كثيراً بذلك الأمر، اللوحة عبرت عن البراءة والإقبال على الحياة في ذلك السن المبكر للصبي، أما الإكليل فقد كان يشير إلى فترة انتقالية؛ أي بداية عبور الصبي من مرحلة الشباب إلى النضج.
*قسوة
ويشير بعض النقاد إلى أن بيكاسو أراد عبر اللوحة أن يصور قسوة الحياة في الشوارع وما تعج به من تناقضات، وانعكاسها على الشباب، أما الأنبوب أو الغليون الذي يمسك به الفتى، فقد اختلف النقاد في تفسيره، لكن يرى الكثيرون منهم أن استخدام الغليون بشكل شائع كرمز للانعكاس الفكري في الرسم في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهو يكتسب أهمية خاصة، ولفتوا إلى أن الغليون يبدو وكأنه ممسوك من خارج اللوحة، وليس من الداخل، مما يشير إلى اندماج الحقائق؛ حيث يكون الصبي انعكاساً لبيكاسو نفسه الذي بدأ مرحلة جديدة من حياته يقبل عليها بأمل كبير، ويرى نقاد أن الصبي في اللوحة كان يرتدي لوناً أزرق مما يشير إلى أنه ينتمي إلى الفقراء والطبقة العاملة؛ بل وذكروا أن الفتى فيما يبدو متشرداً ولا يمتلك عملاً ثابتاً مدللين على ذلك بأنه الفتى يتردد كثيراً على مرسم بيكاسو، ويتسكع في حي الفنانين، فيما ذكر بعض مؤرخي الفن بأن بيكاسو أضاف إكليل الزهور على رأس الصبي، وباقتي الورد في خلفية المشهد لكي يغيّـر صورة المراهق الكئيب الغارق في الحزن، فيما لفت أحدهم إلى أن العمل يشبه إلى حد كبير لوحة الموناليزا، ففيها تعبير لا يمكن أن تحدده في معنى واحد، وهذا هو سر عبقرية بيكاسو المبكرة التي تضع المتلقي في دائرة الغموض، والريبة، والتساؤل الدائم.
*إلهام
ووراء رسم تلك اللوحة قصة طريفة، ففي أحد الأيام كان بيكاسو يسهر مع أصدقائه خارج المنزل، وكان أحد الأصدقاء يلقي قصيدة جميلة للشاعر الفرنسي الشهير بول فرلين، وكانت القصيدة تتحدث عن صبي عمره 16 عاماً، ويضع على رأسه إكليلاً من الزهور، فلمعت فكرة في رأس بيكاسو؛ حيث تذكر ذلك الصبي الذي يتردد على مرسمه، فقرر أن يجعله موضوعاً لإحدى لوحاته، وسيطرت الفكرة على بيكاسو تماماً، فقد أراد أن يذهب من فوره إلى مرسمه، فأختلق عذراً لأصدقائه وغادرهم وبدأ في العمل مباشرة، فكان أن أنتج تلك اللوحة المحتشدة بالغموض.
اللوحة وجدت صدى وجدلاً كبيراً بين النقاد والفنانين بسبب بيعها في مزاد في مدينة نيويورك عام 2004، بملغ كبير بلغ 103 ملايين دولار، واعتبرت بذلك اللوحة الأغلى مبيعاً في العالم
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"