التحــــول الاقتصــــادي النوعي.. النموذج السعودي

22:14 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

يوم الاثنين 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مبادرة الشرق الأوسط الخضراء، التي قال إنها تهدف إلى تأمين 39 مليار ريال (10.4 مليار دولار) لصندوق استثماري، ومشروع للطاقة النظيفة، وذلك في إطار جهود للحد من انبعاثات الكربون الإقليمية. مضيفاً، أن المملكة، وهي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، ستُسهم بنسبة 15% من رأسمال هذا الصندوق، وستعمل مع دول أخرى ومع صناديق التنمية لتأمين التمويل اللازم للمبادرات وتنفيذها.
وتهدف الخطة التي أُعلن عنها لأول مرة في مارس/آذار من العام الماضي (2021)، إلى تقليل انبعاثات الكربون في صناعة الهيدروكربونات في المنطقة بنسبة 60%، وعكس التصحر في واحدة من أكثر مناطق العالم التي تعاني من الإجهاد المائي، عن طريق زراعة مليارات الأشجار. كما يتضمن البرنامج التنفيذي للمبادرة الخضراء السعودية، ضخ استثمارات تزيد على 700 مليار ريال (190 مليار دولار) بحلول عام 2030.
تجمع المبادرة السعودية الخضراء بين برامج حماية البيئة وتحويل الطاقة والاستدامة للعمل من أجل تحقيق ثلاثة أهداف شاملة محورها هدف مشترك لمستقبل أخضر. هذه الأهداف الثلاثة هي: تقليل الانبعاثات، تخضير السعودية، وحماية الأرض والبحر. الهدف الأول سيجري العمل على تحقيقه من خلال تحول هيكلي نوعي في قطاع الطاقة، بما في ذلك عبر آلية «المساهمة المحددة وطنياً» (278 مليون طن سنوياً)، وهدف الوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2060، والانضمام إلى التعهد العالمي بشأن الميثان لخفض انبعاثاته العالمية بنسبة 30%. ولسوف تعمل السعودية على تقليل انبعاثات الكربون من خلال نهج متعدد الأبعاد، يشمل: وضع برنامج لتعزيز كفاءة الطاقة بحلول عام 2025، واستخدام الكربون الملتقط لإنتاج المواد الكيميائية والوقود الاصطناعي، وتغيير مزيج الطاقة باتجاه مزيج أكثر استدامة في عام 2030؛ وفي عام 2030 أيضاً، جعْل المملكة، الدولة الرائدة في العالم في إنتاج وتصدير الهيدروجين؛ وفي عام 2035، تحويل إدارة النفايات في الرياض. ويشمل هدف تخضير المملكة، إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي خلال العقود القادمة من خلال 24 مبادرة لتحقيق هدف زراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة. ويشمل هدف حماية الأرض والبحر، 4 مبادرات للوصول إلى هدف حماية أكثر من 20% من الأراضي بحلول عام 2030. فيما يشمل هدف حماية الأرض والبحر، تأمين موارد الطبيعة وإدارتها بشكل مستدام بحلول عام 2023، وإطلاق مبادرة المحافظة على الصحراء بحلول عام 2025، وإطلاق المرحلة الأولى من توسعة وإدارة المحميات بصورة متكاملة بحلول عام 2025، وتخصيص 10 مناطق لحماية التنوع البيولوجي، بمساحة إجمالية تبلغ 977 كيلومتراً مربعاً بحلول 2025.
وتلتقي جميع هذه المبادرات الطموحة على هدف تقليل الانبعاثات، وتعظيم مساهمة الطاقة المتجددة في مصادر توليد الطاقة. وعلى الصعيد الإقليمي، الشرق أوسطي، ستساعد المملكة في إنشاء البنية التحتية اللازمة للتحول الطاقوي والتكيف مع الظواهر الطبيعية لتغير المناخ، من خلال العمل على إنشاء مركز إقليمي لاحتجاز الكربون وتخزينه (Carbon Capture and Storage - CCS)، ومركز إقليمي للإنذار المبكر للتنبؤ بالعواصف، وبرنامج إقليمي لاستمطار السحب، ومركز لتغير المناخ.
طبعاً خطة السعودية لشرق أوسط أخضر، ومبادراتها المناخية والطاقوية التحويلية، استدعت، كما كان متوقعاً، ردود أفعال سلبية من جانب لوبيات المناخ المعادية بشكل مفرط للوقود الأحفوري، التي تسعى بشتى أشكال الضغط، لأن يختفي النفط من سوق استهلاك الطاقة العالمي. الغربيون، سواء كانوا في السلطة أو في مؤسسات غير حكومية (لكنها تنسق تحركها مع حكومات بلدانها)، يتوقعون، بحكم سيادتهم على مؤسسات النظام الدولي، أن تقتفي الدول النامية أثرهم وتقلدهم فيما يفعلون. وهذا غير ممكن، بسبب اختلاف الظروف والإمكانيات.
فكيف للمملكة العربية السعودية، مثلاً، التي تحوز حوالي 16% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وتشكل إيراداتها النفطية حوالي 87% من إيرادات موازنتها، وحوالي 42% من ناتجها المحلي الإجمالي، و90% من عائدات صادراتها، أن تشطب بجرة قلم هذه الحقائق من معادلتها التنموية؟ بعض الخبراء الاقتصاديين والمناخيين الواقعيين، أشادوا بالخطط السعودية للتحول الاقتصادي الأخضر، واعتبروا أن السعودية تسير على مسار جيد سيثمر على المدى الطويل، خصوصاً بالنسبة لتطوير تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS)، والوصول إلى الاقتصاد الدائري للكربون، لأن مكافحة تغير المناخ هي «لعبة طويلة»، كما يقولون.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"