عادي

المفاهيم الثابتة أزمة البلاغة العربية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

القاهرة«الخليج»:

شهد علم البلاغة في العالم العربي الحديث والمعاصر عدداً من التحولات الجذرية في ماهيته ووظائفه ومسائله ومناهجه وعلاقاته بغيره من العلوم، ومدى انتشاره وانحساره، اتخذت هذه التحولات شكل مشاريع علمية، قدم كل منها تصوره الخاص للقضايا السابقة، وأسهم في إكساب البلاغة العربية هوية جديدة، عادة تدرس هذه المشاريع التجديدية من زوايا المؤثرات، والمظاهر والنتائج، ففي الأغلب يتوجه الاهتمام إلى دراسة العوامل المؤثرة في هذه المشاريع سواء كانت معرفية أم غير معرفية، وإلى دراسة مظاهر التجديد الذي تقدمه على المستويات المختلفة للعلم، وبخاصة ما يتعلق بماهية العلم ومنهجياته وعلاقاته المعرفية، علاوة على ذلك فإن بعض الاهتمام بهذه المشاريع البلاغية يتوجه إلى النتائج والآثار التي أحدثتها في حالة المعرفة في زمن ما، وعلى خلاف ذلك فإن العلاقات بين هذه المشاريع نادراً ما تدرس من منظور فلسفة العلم، وهذا ما يميز كتاب «البلاغة العامة والبلاغات الخاصة» لعادل المجداوي.

الكتاب الصادر عن دار العين للنشر والتوزيع يتخذ من بلاغة الجمهور نموذجاً، ويوظف إحدى أهم نظريات فلسفة العلم، ويرى أن مشروعي البلاغة العامة وبلاغة الجمهور قد أحدثا تحولين جذريين في النموذج الإرشادي لعلم البلاغة العربية المعاصرة، ورصد بدقة وعمق التغييرات التي أحدثاها في إدراك الباحثين المعاصرين لماهية علم البلاغة ومسائله وغاياته وعلاقاته المعرفية، ومستقبله القريب.

يشير الكتاب إلى أن الأزمة التي وصفت بها البلاغة ليست أزمة البلاغة في ذاتها، وإنما تتمثل في اعتماد البلاغيين تصوراً يتسم بمفاهيم ثابتة لدراسة معرفة متحولة عبر الزمن، فالبلاغة خاضعة لقانون التطور والتحول، ولا يمكن تبعاً لذلك الإبقاء على مفاهيم ثابتة دون تغييرها أو على الأقل محاورتها وبحثها في أفق مجابهتها للخطابات المتجددة وفي إطار تحول الفكر عموماً وليس ثباته، وقد أسهمت مقولة الإبدال المعرفي في رصد تطور أفكار تاريخ علم البلاغة، فالبلاغة واحدة والنظرة إليها مختلفة، بحسب إبدال كل باحث، ومن ثم على كل باحث البحث عن تعريف جديد لها، ولتحقيق نتائج مرضية يتطلب ذلك محاورة المشاريع العربية داخل تطور الفكر في الثقافة بشكل عام.

يرى الكتاب أن المفاهيم ليست مجرد تشكيلات لغوية، لأنها مسيرة بناء تحمل في طياتها محاولات الإجابة عن جملة من الأسئلة المضنية، أولها لماذا ننشئ المفاهيم؟ وآخرها هل يمكن أن تتجاوز الإشكالات القائمة في مجالها؟ وبين هذين السؤالين تتناسل أسئلة أخرى، لأن ظهور مفهوم جديد في حقل البلاغة على نحو منطقي يخفي وراءه عائقاً، لا تستطيع المفاهيم الأخرى تجاوزه. وإذا كانت هذه المفاهيم قادرة اليوم على مجابهة خطابات لم تُدرس من قبل، فقد يتبين قصورها هي كذلك في زمن لاحق، يجعلها تحين نفسها لمواصلة التطور المعرفي، وفي هذا الإطار تتضح بشكل كبير وظيفة المفاهيم التي تتجاوز تحقيق التواصل بين المنتمين إلى الحقل المعرفي الواحد إلى أدوات لإنتاج المعرفة البلاغية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"