«صناعة الشعر» بنظرة مختلفــة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في حديث قدمائنا عن «صناعة الشعر»؟ دعنا نتوسع ونتكلم عن صناعة الأدب، وصناعة الأديب تحديداً. الأدباء والنقاد القدامى، لم يكن لديهم أيّ خلط أو لبس، فقد كانوا يعرفون جيداً الفارق بين الشعر المطبوع والشعر المصنوع، الفرق بين الإبداع الذي يقول فيه جلال الدين الرومي: «كل شعر يأتي من دوني، يكون رائعاً»، أن تبدع من دون أن يكون لك دخل في الإبداع، وبين المتكلف المتصنع المجرور من شعره، على طريقة «لنسفعاً بالناصية». لكن، يجب النظر بإعجاب إلى القصائد الجاهلية «الحوليات»، التي كانت تظل قيد المراجعة والتدقيق والتجويد عاماً كاملاً.
مذهل إخضاع الفن الإبداعي لمقاييس العمل العلمي الأكاديمي في ذلك العصر. في الحقيقة، ذلك هيّن قياساً على أعمال الموسيقى السيمفونية التي تستغرق عشرين سنة، بينما كاد موتزارت يبدع أثراً خالداً في كل شهيق وكل زفير.
إحياء هذه المصطلحات، الأيقونات التراثية، ضروري وحيوي، من خلال تغيير مركزية تطبيقها، مثلاً ننقل «صناعة الشعر» إلى «صناعة الشاعر»، «صناعة الروائي»، «صناعة الكاتب المسرحي»، «صناعة الكاتب الساخر»...تكون الخطة كالتالي: بمجرد الإحساس بأن هذه الإنسانة، أو الإنسان، في الحمض النووي لموهبته فجر باسم أدبي واعد، بذرة إبداع شقت التربة لتوها، توّاقّة إلى النور، تتعهدها العناية بالرعاية والسقاية، كأنما تقول: «ولتُصنع على عيني» (طه 39). المقصود بالضبط هو الصناعة على العين، تماماً مثل مصطلح «التعلّم الإشراف»، في التعلّم الآلي، في الذكاء الاصطناعي.
يرى القلم أن الأخطاء المتكررة كالأسطوانة المشروخة عبر عشرات السنين في المناهج العربية، في الفرع الأدبي، تبرهن على أن الهدف كان تخريج أناس ملمّين بتاريخ الأدب، يعرفون كوكبة من الشعراء والكتاب، ومذاهب فنّي النثر والشعر، ومدارس النقد...لكنها لم تفكّر في الأساليب التربوية والتعليمية اللازمة لصناعة مبدعين في الأجناس الأدبية. الإبداع الأدبي في نظرها نبات بريّ ديميّ، إن جادك الغيث، فغوثاً يحيي الأرض بعد مواتها، وإلاّ فالقحط والقحل والمَحْل والسنوات العجاف.
يقترح القلم الاقتداء بالمدارس العليا للموسيقى، عند تطوير المناهج في الفرع الأدبي. في المعاهد الموسيقية، عند التخصص في التأليف الموسيقي، تتجلى الغاية في التخصص نفسه، أي دراسة كل ما سيحتاج إليه الدارس عندما يريد أن يشق طريقه في عالم التأليف الموسيقي.
لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: مأساة، لو كانت كليّات الطبّ تدرّس تاريخ الطب، ولا تؤهل الطلاب لممارسة المهنة. هذا بالضبط ما تفعله مناهج الفرع الأدبي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"