عادي

كريم معتوق.. الشعر يعانق الناس

00:12 صباحا
قراءة 4 دقائق

علاء الدين محمود
في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

لعل من أكثر ما يميز الشاعر كريم معتوق، موهبة إلقاء الشعر، ذلك الأداء المسرحي والتفاعل اللافت، والصوت الجهور والمقدرة على صناعة تواصل مع المتلقي، خاصة أنه يلامس عبر خطابه الشعري ومواضيعه هموم وقضايا الناس، فقد تغنى للأم والوطن والطفل والصحراء والبحر والوطن والحب، و أراد لقصائده أن تعانق وجدان الجميع دون أن يقف حاجز يعترضها، وربما ذلك ما جعله يرى أن مسابقة «أمير الشعراء»، قد خلقت نوعاً من التواصل بين الشاعر والجمهور عندما قال عنها: «حركت المياه الراكدة في المشهد الشعري، وجعلته شعبياً وجماهيرياً»، وكان معتوق هو أول شاعر يتوّج بلقب «أمير الشعراء»، في نسختها الأولى عام 2007.

كان معتوق يطالب دائماً بما أسماه «جمهرة الشعر»؛ أي جعله قريباً من الناس وإدخال الجمهور كطرف داعم للحركة الشعرية بعيداً عن أجواء النخبة وما فيها من تنافس يصل إلى حد التناحر، فهو يرى أن «أمير الشعراء» قد كشفت عن واقع لم يكن مألوفاً لدى الشعراء من قبل، وهو ذلك التنافس الذي يضع الجمهور كطرف في المعادلة، وهو الأمر الذي أثار استهجان البعض، الذين يرى معتوق أنهم قد تقوقعوا في برج ويرون الأمور من منظار ضيق، وتلك دعوة من الشاعر أن يسري الشعر حراً طليقاً يعانق الناس ويعبر عنهم.

تحدٍ

ولد معتوق في الشارقة عام 1963، وعرف الشعر باكراً فقد نظم قصيدته «الطيف الزائر»، خلال المرحلة الثانوية في مطلع ثمانينات القرن الماضي، فكانت بمثابة الشرارة الأولى التي أعلنت عنه كشاعر فكان أن احتفظ بها كما هي ووثقها في كتابه «سيرة ذاتية تشبهني». ولعل قصة نظمه أبيات تلك القصيدة تشير إلى روح التحدي في داخله، فقد كتبها بعد يومين قضاهما في قراءة ديوان الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي، وما إن فرغ منه حتى اكتشف الشاعر الذي بداخله. والواقع أن ما ألجأ معتوق إلى ديوان أبو ماضي، أن علاقته باللغة العربية كانت ضعيفة في المدرسة، حيث لم تكن ضمن المواد المحببة إليه، فقرر أن يضع حداً لذلك الجفاء بينه والعربية، وبدأ يقلب في كتاب مقرر الأدب، فوجد قصيدة «الطلاسم»، لإيليا أبو ماضي فشدته بقوة وأعجب بها، فقرر أن يشتري الديوان كاملاً، فقد كانت تلك القصيدة بمثابة المفتاح الذي قاده إلى مغارة الشعر واكتشاف كنوزها، فكان لذلك المنعطف الدور الحاسم في بروز اسم كبير في عالم القصيد، فبعد أن أيقن أنه قد أصبح شاعراً، صار عاكفاً على قراءة الشعر العربي، خاصة المعاصر مثل أعمال نزار قباني، وأحمد الصافي النجفي، وكل ما يقع في يده من دواوين حتى تشرّب الشعر، وشعر بأن هنالك علاقة تربطه بالشعراء المعاصرين من أمثال: عمر أبو ريشة، ومحمد سعيد الجواهري، وغيرهما، وكانت تلك المرحلة قد سبقت إطلاعه على الشعر العربي القديم الذي لم يشعر بانجذاب تجاهه في البداية.

الكتابات الأولى

وعلى الرغم من أن الكثير من الشعراء يمسحون من ذاكرتهم الكتابات الأولى لما فيها من أخطاء البدايات، إلا أن معتوق ظل وفياً بصورة دائمة لقصيدة «الطيف الزائر»، واحتفظ بها حتى تكون حافزاً للكتّاب الشباب الذين تحتشد نصوص البدايات لديهم بالأخطاء، بل إن معتوق كان قد أقام أمسية في اتحاد الكتّاب أطلق عليها اسم «الكتابات الأولى»، وطلب من الشعراء المشاركين أن يحضروا معهم نصوص البدايات حتى تحفز الشباب للاستمرار في الشعر، وعدم هجره نتيجة الإحباط الذي يشعرون به بسبب الأخطاء، فقد كانت تلك القصيدة هي الحافز الذي قاده إلى كتابة الكثير من النصوص، وإصدار العديد من الدواوين الشعرية التي فاقت ال «17» مجموعة شعرية، منها: «مناهل»، و«طوقتني»، و«هذا أنا»، و«مجنونة»، و«حكاية البارحة» و«السامري» و«رحلة الأيام السبعة»، وكل ديوان من تلك الإصدارات يشهد على قصة شاعر مختلف، حيث المفردة الخاصة، والقدرة على التحليق بعيداً بالخيال الشعري. وإضافة إلى الأشعار فقد خاض معتوق تجربة السرد، عبر عدد من الروايات منها: «حدث في إسطنبول»، و«رحلة ابن الخزاز».

في بداياته الشعرية كان معتوق منحازاً بصورة كبيرة للشكل العمودي القديم والتقليدي من الشعر، ودافع عنه، لكن تجربة اطلاعه على شعر بدر شاكر السياب أحدثت منعطفاً كبيراً على مستوى نصوصه وتجربته، على الرغم من أنه كان محجماً عن قراءة أي نص خارج الشكل العمودي، لكن بعد قراءته للسياب، أدرك كما يقول أنه قد ضيع مجرة كاملة من الإمكانيات والخيال الشعري وهي شعر التفعيلة، فالسياب في نظر معتوق ليس شاعراً مجيداً فحسب، بل يتميز عن بقية الشعراء في أنه أسس ابتداعاً شعرياً خرج به عن المألوف والمعتاد، ولأن معتوق كان قد اكتشف السياب متأخراً، فقد عاتبه على ذلك الأمر من خلال قصيدة حملت عنوان «عتاب متأخر للسياب».

سيرة مختلفة

كان معتوق مختلفاً، فحتى بداياته الشعرية لم تتبع ذلك الطريق المعتاد من الاطلاع على الشعر الجاهلي القديم، بل أمسك بدرب الحداثة الشعرية العربية من خلال تعرفه على رمز من رموز شعراء المهجر، هو إيليا أبو ماضي، وربما ذلك ما جعل نصوص معتوق تتعطر برائحة خاصة، وألق مختلف، ولعل ما يميز الرجل كذلك هو انفتاحه على عدد من المواهب، فبالإضافة إلى تفوقه في الشعر، وخوضه تجربة السرد، فقد مارس الكتابة الصحفية في عدد من الصحف والمجلات الإماراتية، وقدم برامج إذاعية وتلفزيونية عديدة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"