الرئيس جيرالد فورد وكبــح جمــوح التضــخم

21:59 مساء
قراءة 4 دقائق

د. علي توفيق الصادق *

استمر «التضخم الكبير» في الولايات المتحدة الامريكية نحو عقدين من الزمن (من 1965 إلى 1982). وقد أدى التضخم الكبير إلى قيام الاقتصاديين بإعادة التفكير في سياسات الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى. في هذه الفترة، وتحديداً في شهر آب/ أغسطس 1971، تم التخلي عن النظام النقدي العالمي الذي تم إنشاؤه بنهاية الحرب العالمية الثانية، وكان هناك أربع حالات ركود اقتصادي، ونقص حاد في الطاقة، وتنفيذ غير مسبوق في وقت السلم لضوابط الأجور والأسعار. في عام 1964، بلغ معدل التضخم أكثر بقليل من 1٪ في السنة. لقد كان قريباً من هذا المستوى على مدى السنوات الست السابقة. بدأ التضخم في الارتفاع في منتصف الستينات ووصل إلى أكثر من 14 في المائة في عام 1980. وانخفض في النهاية إلى متوسط 3.5 في المائة فقط في النصف الأخير من الثمانينات.
كان مصدر التضخم الكبير هو السياسة النقدية التي سمحت بنمو مفرط في عرض النقود - سياسات الاحتياطي الفيدرالي. يذكر أن الكونجرس الامريكي حوّل انتباهه إلى السياسات التي كان يأمل في أن تعزز الاستقرار الاقتصادي. كان من أبرز القوانين التي ظهرت قانون التوظيف الكامل لعام 1946. ومن بين أمور أخرى، أعلن القانون أنه من مسؤولية الحكومة الفيدرالية «تعزيز الحد الأقصى من العمالة، والإنتاج، والقوة الشرائية»، ونص على قدر أكبر من التنسيق بين السياسات المالية والنقدية. ويعتبر قانون التوظيف هو الأساس للتفويض المزدوج الحالي للاحتياطي الفيدرالي المتمثل في «الحفاظ على نمو طويل المدى للمجاميع النقدية والائتمانية من أجل الترويج الفعال لأهداف الحد الأقصى من العمالة، والأسعار المستقرة، ومعدلات الفائدة طويلة الأجل المعتدلة».
كانت السياسة التوجيهية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية هي سياسة الاستقرار الكينزية (نسبة إلى الاقتصادي البريطاني الشهير جون كينز) مدفوعة في جزء كبير منها بالذاكرة المؤلمة للبطالة المرتفعة غير المسبوقة في الولايات المتحدة وحول العالم خلال الثلاثينات من قرن العشرين. كانت النقطة المحورية لهذه السياسات هي إدارة إجمالي الإنفاق المكون من الانفاق الاستهلاكي الخاص والعام والانفاق الاستثماري الخاص والعام عن طريق سياسات الإنفاق والضرائب للسلطة المالية والسياسات النقدية للبنك المركزي. الواقع أن الاعتقاد بأن السياسة النقدية يمكن وينبغي استخدامها لإدارة الإنفاق الكلي وتحقيق الاستقرار في النشاط الاقتصادي مبدأ مقبول بشكل عام ويوجه سياسات الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى. لكن أحد الافتراضات الحاسمة لتنفيذ سياسة الاستقرار في الستينات والسبعينات كان أن هناك علاقة مستقرة وقابلة للاستغلال بين البطالة والتضخم. وعلى وجه التحديد، كان الحديث السائد بشكل عام أن معدلات البطالة المنخفضة بشكل دائم يمكن «شراؤها» بمعدلات تضخم أعلى بشكل طفيف. كانت الفكرة القائلة بأن االمقايضة طويلة المدى بين البطالة، التي كانت ضارة جدًا بالرفاهية الاقتصادية، والتضخم، الذي كان يُعتقد أحيانًا أنه مصدر إزعاج أكبر، افتراضًا جذابًا لواضعي السياسات. كانت أواخر الستينات وأوائل السبعينات من قرن العشرين فترة مضطربة للاقتصاد الأمريكي. أدى تشريع المجتمع العظيم الذي أصدره الرئيس الامريكي جونسون إلى برامج إنفاق كبيرة عبر مجموعة واسعة من المبادرات الاجتماعية في وقت كان فيه الوضع المالي للولايات المتحدة متوترًا بالفعل بسبب حرب فيتنام. أدت هذه الاختلالات المالية المتزايدة إلى تعقيد السياسة النقدية.
في سبعينات القرن العشرين، في عهد الرئيس الامريكي جيرالد فورد، ارتفعت نسبة التضخم إلى مستويات مقلقة في ظل ركود اقتصادي حير الاقتصاديين والسياسيين بمعالجتها. الاقتصادي الامريكي بول ساملسون أطلق تعبير «Stagflation» المكون من كلمتي «Stagnation» و «Inflation» أي الركود المصحوب بالتضخم. الرئيس جيرالد فورد تبنى حملة شعبيه عنوانها كلمة WIN  (فائز) المكونة من الحرف الاول من كلماتWIP Inflation Now أي اضرب التضخم الان.
كانت بداية البرنامج سريعة. قال راسل فريبورغ، منسق البرنامج في البيت الأبيض، إن طاقمه الصغير أصيب بفيض من استفسارات المواطنين. وقال لصحيفة نيويورك ديلي نيوز إن الشركة كانت تتعامل مع «1000 مكالمة هاتفية في اليوم وأكثر من 200000 رسالة موجهة إلى شركة فورد». بدأت أزرار WIN في الظهور في جميع أنحاء البلاد. وكان محور حملة فائز يرتكز على استجابة الناس إلى دعوة الرئيس فورد لتقليص مشترياتهم لتقليص الطلب الاستهلاكي. استجاب الرئيس فورد للتحدي الاقتصادي في خطاب ألقاه أمام الكونجرس يوم 8 أكتوبر 1974، واقترح خطة اقتصادية لمكافحة التضخم والبطالة المتزايدة تحمل كلمة واحدة «فوز». قال الرئيس: رفاقي الأمريكيون.. إن الفوز في معركتنا ضد التضخم والهدر ينطوي على تعبئة كاملة لأعظم موارد أمريكا - العقول والمهارات وقوة الإرادة للشعب الأمريكي. إليك ما يجب أن نفعله، ما يمكن لكل فرد منكم فعله للمساعدة في زيادة الطعام وخفض الأسعار، قم بزيادة النمو وتقليل الهدر.. للمساعدة في توفير الوقود الشحيح في أزمة الطاقة، قم بقيادة أقل، وتسخين أقل. السؤال الذي يثار هنا: هل يمكن الاستفادة من خطة الرئيس فورد في مواجهة التضخم الجامح في الوقت الحاضر؟

* مستشار اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"