العلاقة بين تعداد السكان والتغير التكنولوجي

21:57 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي

كان هناك تفسير اكثر شيوعا في السنوات الأخيرة مفاده ان ضغط النمو السكاني هو محرك التغيير التكنولوجي. وكانت فكرة «مایکل كريمر» البراقة حول العلاقة بين تعداد السكان والتكنولوجيا تتعلق باختبار الدليل عبر فترة طويلة وكافية بحيث يمكن أن يظهر السبب والأثر - من البدايات الأولى للجنس البشرى.
وقد قام «كريمر» أولاً ببناء نموذج. وفي هذا الإصدار المنمق للغاية لأدب التغيير التكنولوجي الداخلي، سيحصل كل فرد على حد الكفاف، وستصبح الفرصة المتاحة أمام كل فرد لاكتشاف شيء جديد متساوية بشكل تام، وذلك بشكل مستقل عن تعداد السكان. أما نسبة الموارد المتاحة للبحث دائما فستبقى كما هي. وبذلك ستزيد المعرفة التكنولوجية بزيادة السكان، وسيزداد تعداد السكان بزيادة التكنولوجيا، ويعود الفضل في ذلك إلى عدم تنافسية المعرفة، لأن «تكلفة ابتكار تكنولوجيا جديدة هي تكلفة مستقلة عن عدد السكان الذين يستخدمونها».
بعد ذلك، جمع «کریمر» تاريخاً طويل المدى للتعداد السكاني الإنساني. وتخبرنا مختلف تقديرات حسابات علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الآثار بقصة مثيرة، إذا لم تكن مدهشة بشكل خاص. وهى أنه قبل مليون عام كان إجمالي تعداد السكان على وجه الأرض حوالى 125,000 شخص. ولآلاف السنين، كان معدل نمو السكان متدنياً للغاية. وفي فجر ظهور تكنولوجيا الكتابة، أي منذ حوالی ۱۲,۰۰۰ سنة، أرتفع تعداد السكان ليصل إلى حوالى 4 ملايين شخص، وفي وقت ظهور المسيح، أصبح العدد ۱۷۰ مليوناً، وربما وصل هذا التعداد إلى مليارات شخص عندما ظهرت قوة البخار، وتضاعف هذا الرقم في العشرينيات من القرن الماضى، وتزامن ذلك مع ظهور نبات الذرة المهجنة. وبعد خمسين عاماً، ربما سكن الأرض حوالى 4 مليارات شخص وبحلول عام 2006، أصبح تعداد سكان الأرض حوالى 6.5 مليار شخص.
ناقش «كريمر» النتائج التى توصل إليها في كتاب «النمو السكاني والتغير التكنولوجي»: مليون عاماً قبل الميلاد وحتى تسعينيات القرن العشرين كان الرقم الهام في هذا السياق أن التقدم التكنولوجي أدى إلى زيادة معدلات نمو السكان وليس إلى ارتفاع معدلات المعيشة، حيث أنتشر البشر على المساحة الممتدة للعالم. وتشير جميع الأدلة المتاحة، أن السواد الأعظم من البشر لم يكونوا يعيشون بشكل أفضل في القرن التاسع عشر ۱۸۰۰ عام عما كانوا يعيشون عليه قبل 12,000 عام فقط أو أعلى قليلاً عن حد الكفاف. وعند نقطة معينة عندما بدأ حدوث ما عرف بالتحول الديموغرافي. بدأ حدوث نوع من المعادلة لآثار النمو السكاني. وأدى وجود مزيد من البشر إلى خلق أسواق أكثر اتساعا، وسمح السوق الأوسع بمزيد من التخصص، وأدى التخصص إلى خلق ثروة أكبر دعمت مزيداً من البشر، حتى أدت الثروة الأعظم إلى الحد من آثار نمو السكان، على الأقل بالنسبة للدول التى شهدت ثورات صناعية.
وبداية من عام 1950 تقريباً، وبتعداد سكاني يصل إلى حوالى ۲.5 مليار. استقرت الزيادة في معدل نمو السكان العالمي، في حين أستمر عدد السكان نفسه في الزيادة بنسبة وصلت إلى حوالى ۲ ٪ سنويا. إذا كان مالتوس محقاً بشأن معظم أو كل فترات التاريخ الإنساني: إذ أدى التقدم التكنولوجي إلى زيادة عدد السكان، وليس إلى أرتفاع مستويات المعيشة. ولكن الآن، حدث شئ ما بكل تأكيد. فعندما قام «كريمر» بتشغيل نماذجه، كانت متسقة مع التصاعد. ولكن دالة إنتاج بحث نموذج «كريمر» كانت توحى بأن معدلات نمو السكان ستنخفض حتماً في نهاية الأمر - ليس بسبب المجاعات الضخمة والانهيارات البيئية ولكن لأن الدخل المتزايد سيؤدى إلى انخفاض الخصوبة حول العالم - كما حدث تماماً في الأعوام المائة والخمسين الماضية، بداية من الدول الأغنى.
أنتج «كريمر» دليلاً جافاً ولكنه قوى على أن القول المأثور لآدم سميث يعمل في الاتجاهين: وهو أن تقسيم العمل محدود بحجم السوق - في هذه الحالة، تعداد السكان. ولكن نمو المعرفة، والتخصص، قد أدى في نهاية الأمر إلى إزالة الحدود التقليدية على حجم المجتمعات الإنسانية. وبالنسبة لنموذج «سولو»، الذى تتزايد فيه التكنولوجيا بشكل ثابت بغض النظر عن كثافة السكان أو مساحة الأرض، يمكن توقع أن جميع المناطق كانت تقف على قدم المساواة عندما بدأت رحلات كولومبس في عملية إعادة ترسيخ الاتصال التكنولوجي بين المناطق. ولكن، بطبيعة الحال كان العالم القديم ذو الكتلة الأرضية الأعظم، بين خطی الكثافات السكانية الأكبر والمستوى التكنولوجي الأعلى، وتليه الأميركتان، بمدنهما، وزراعاتهما الكثيفة وتقويماتهما المعقدة. وكانت أستراليا هي الثالثة. وكان التحول الديموغرافي هو اللغز. ما هو سبب انخفاض معدلات المواليد في الدول عندما تصل إلى مستوى معين من الدخل؟
* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"