دردشة في ألعاب اللغة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل اللغة لعبة كبيرة؟ هي أكبر ممّا يتصور أيّ عقل لا علاقة له بألعاب اللغة. كل البلاغة، وكل الفنون اللغوية، ليست سوى ألعاب. إنما، من هو اللاعب؟ الشطرنج لا نهاية له، وإن بدت افتتاحياته محدودة عدداً. بعد الحركة العاشرة، قد تصل النقلات المحتملة إلى عشرة آلاف نقلة. أما اللغة فنقلاتها مفتوحة على رقم ذي مئة صفر.
الطريف المهمل هو أن ما لا يُدرّس في المناهج هو الأوجب بالتدريس، وفي صميم المقرّر. في اللغة والفنون نحن أمام لانهائيات من الرياضيات. تخيّل أن جميع الحضارات والمجتمعات المتخلفة البدائية، وعباقرة الموسيقى في جميع الأزمنة، لم يستنفدوا ما يمكن أن يلعبوا به في نطاق سبع درجات صوتية فقط! لو جعلت كل محيطات الكوكب مداداً لإبداع الروائع، فإنك لن تستهلك ولا حتى قطرة من تريليون محيط ممّا يمكن أن يكتب من نصوص بثمانية وعشرين حرفاً. 
ما هذه الرياضيات اللغوية؟ اللغة بحار عجائب، وعلى المناهج تنمية أجنحة الخيال لدى الأطفال. المرام التربوي هو أن يشعروا بأنهم في لعبة ممتعة، رحلة مفعمة بالعجائب والمغامرات والاكتشافات الأخّاذة والتجارب التي لا تنسى. مأساة أن نجعل قواعد النحو في أذهانهم البريئة، هراوات فوق رؤوسهم، لهم بالمرصاد عند أدنى زلّة. يصير التلميذ يلعن كان وأخواتها، وكل عائلة إنّ، حين يئنّ تحت سياط الأصفار.
ما يؤخذ على المناهج العربية هو انعدام التجارب الذهنيّة، والإصرار على أن محور القواعد هو الطريق الوحيد إلى سلامة اللغة والإبداع. ما يجب أن تدركه المناهج هو ضرورة تأهيل مدرّسين غير عاديين. إذا كان الأستاذ لا يعرف غير القواعد والمسطرة والبركار، فلا فائدة منه. يجب أن يكون مبتكراً، مالكاً متصرفاً في ما تعلّم، لإيصاله بطريقة تناسب العصر. هل تقول للطالب اليوم: «إذا أتاك اسم معرّف بألْ.. بعد إشارة فعطف أو بدلْ؟»، فيقول: بعد إشارةٍ فنومٌ أو مللْ.
الإحساس بجمال اللغة ضرورة. مهمّ أن يعرف الطالب كان وأخواتها والتمييز بالنسبة والعدد، وأنواع المفعولات والحال والنداء، لكن الأهمّ هو أن يكون مثل موتزارت حين سئل: ماذا تفعل حين تؤلف الموسيقى؟ قال: «لا شيء، غير أن أجعل النوتات المتحابّة متجاورة».
لزوم ما يلزم: النتيجة الغائية: بسيطة، علموا الصغار، إذا همّوا بالكتابة، أن يضعوا الكلمات المتحابّة متجاورة. إنها رسالة المعلّم الإبداعية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"