المنطقة تتغير

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

تكتسب قمة دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والعراق، التي سيشارك فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر القادم في السعودية، أهمية كبيرة، ليس بما ستسفر عنه من نتائج متوقعة مسبقاً، وإنما بتأسيسها لتوجه جديد في علاقات المنطقة بالقوى الإقليمية والعالمية في الفترة المقبلة.
 بغض النظر عن الإدارة التي توجد في البيت الأبيض، جمهورية أم ديمقراطية، تظل علاقة أغلب دول المنطقة بالولايات المتحدة مهمة وأساسية. وتبقى منطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية.
 لكن التغيير الذي يشهده العالم منذ بدايات هذا القرن لم يكن أيضاً بعيداً عن منطقتنا، وتبلور ذلك التغيير أكثر في السنوات الأخيرة لأسباب عدة، منها ما هو ذاتي داخلي في بلدان المنطقة مرتبط بتطورها ونموها، ومنها ما هو إقليمي، وبالطبع هناك العوامل الدولية أيضاً، إضافة إلى تداعيات ما يعرف ب«الربيع العربي».
 كل تلك التغييرات كان لها أثر واضح على السياسة الخارجية لدول المنطقة وتكتلاتها المختلفة، وهو ما برز من خط تعاون بين دول الخليج والدول التقليدية في المنطقة. من ملامح ذلك التغيير أن العلاقة مع القوى الإقليمية اختلفت، أحياناً بمرورها بمراحل ارتفاع وهبوط حادة. كذلك اختلفت العلاقات بين دول المنطقة، فرادى ومجتمعة، مع القوة العظمى الرئيسية في العالم – أمريكا – ومع القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا.
 إذا كانت سياسة إدارة بايدن لتشكيل «تحالف غربي واسع» تقوده أمريكا مستعيدة ريادتها كقوة عظمى عبر مواجهة صعود الصين وروسيا وغيرهما، فإن تلك السياسة تواجه اختباراً صعباً أمام الحرب في أوكرانيا؛ فرغم تعاطف الأغلبية مع محنة الأوكرانيين الإنسانية بدرجة أو بأخرى، إلا أن نصف العالم تقريباً لا يتبنى التوجه الأمريكي/البريطاني بخنق روسيا حتى تدمير قدراتها بمبرر تدخلها العسكري في أوكرانيا. حتى ذلك «التحالف الغربي»، وإن بدا خطابه العلني متماسكاً لكنه ليس في الحقيقة كذلك. فأغلب دول أوروبا لا «تبلع» تماماً الهدف الأمريكي/البريطاني بشأن روسيا.
 لن تستطيع إدارة بايدن تعويض هذه المعضلة المتعلقة بحرب أوكرانيا بإنجاز هائل في الشرق الأوسط. ليس لأن دول المنطقة لا تريد مساعدة تلك الإدارة، ولكن لأنها إدارة لا تملك رؤية ولا استراتيجية، وكل ما تستهدفه تكتيكات سياسية. لقد نضجت دول المنطقة بقوة في تعاملها مع حلفائها وأصدقائها وحتى منافسيها وأطراف الصراع معها. فإذا لم تكن الإدارة الأمريكية جاهزة لتعاون ما، وتطلب فقط «شيكاً على بياض» فلن تحصل على ما تريد.
 لذا، لا يتوقع كثيرون أن تسفر القمة المرتقبة في جدة الشهر المقبل عن كثير إلا عن «إعادة العلاقات الأمريكية مع الخليج والمنطقة إلى طريقها السليم» دون مفاجآت كبرى. وإذا كانت إدارة بايدن تعاني من مشاكل داخلية بسبب غضب الناخبين من ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة أسعار الطاقة، فإن دول الخليج واضحة تماماً في سياساتها المتعلقة بالطاقة – لا مجاملات سياسية، إنما إنتاج وتصدير حسب أساسيات السوق وضمان استدامة استقرار سوق الطاقة العالمي. وذلك أيضاً ضمن تحالف «أوبك+» بالشراكة مع روسيا وغيرها من خارج أوبك.
 تخشى إدارة بايدن والحزب الديمقرطي من الخطر الحقيقي بخسارتها انتخابات التجديد النصفي للكونغرس هذا العام. لذا، كرر بايدن أن زيارته للمنطقة «من أجل إسرائيل». وحتى في هذا الجانب، لا مفاجآت، فالإسرائيليون أنفسهم خفضوا كثيراً من سقف توقعاتهم بشأن العلاقات مع السعودية.
 يبقى الهدف الاستراتيجي الأمريكي، والذي تلقى بايدن النصح على أساسه بأنه يجب عليه زيارة السعودية. ذلك هو وقف أي تقارب بين دول الخليج، والدول العربية عموماً، مع الصين وروسيا. وذلك هو التغيير الحقيقي الذي ربما لا يفاجئ بايدن وإدارته فحسب، بل كل هياكل صناع القرار الأمريكي عموماً. فدول الخليج، ودول المنطقة الأخرى، لم تعد كما كانت قبل بضع سنوات.
 أصبحت دول المنطقة تحسب مواقفها، وسياساتها الخارجية، بمعايير مختلفة قبل أن تأخذ في الحسبان «إرضاء هذا أو إغضاب ذاك». إنما الأساس هو مصلحتها الوطنية لشعبها ومحيطها المباشر، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع كل الأطراف الإقليمية والدولية. لذا سيجد بايدن في جدة قادة دول لا يمكن أن يُملى عليهم موقف، وإن كانوا جاهزين للتعاون على أساس المصالح المتبادلة والمشتركة. ويعني ذلك ببساطة أنهم لا يقايضون علاقتهم بطرف مع علاقتهم بغيره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"