أمن الطاقة يتقدم على أولوية المناخ في الصين

21:42 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد

كُشِف النقاب في الصين قبل أيام عن خطة الطاقة الخمسية (2021  2025). ومن المؤكد أن هذه الخطة شكلت صدمة للمناخيين، حيث اختار مصممو الخطة، تقديم أولوية أمن الطاقة وتعزيز النمو الاقتصادي، على حساب أولوية المساهمة في الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ. فقد تضمنت الخطة، تعزيز مواقع الوقود الأحفوري، جنباً إلى جنب مع الطاقة المتجددة، من خلال زيادة إنتاج النفط والغاز والفحم والطاقة النووية، وطاقة الرياح والطاقة الشمسية لمنع انقطاع الكهرباء وتقليل الاعتماد على موردي الطاقة الأجانب.
ومع أن التصدي لتغير المناخ، سيبقى هدفاً رئيسياً للحكومة الصينية، فإن التقلبات في أسعار الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، دفعت القيادة الصينية إلى أخذ كل هذه المخاطر والتحديات بعين الاعتبار، اليوم قبل غد، وذلك بتصعيد الاعتماد على الذات إلى أعلى سلم جدول أعمال الحكومة. وإذ ينتقد الساسة الغربيون هذا التوجه الصيني الذي يعتبرونه محاولة صينية مستحدثة لتعظيم تنافسيتها على حساب منافسيها الأوروبيين والأمريكيين، من خلال معادلة اهتمام ورعاية الحكومة الصينية للفحم والطاقة المتجددة على حد سواء، مقابل مقاربة الغربيين القائمة على تعويض الفحم بالطاقة المتجددة، لكن منطق الأوروبيين، هو الآخر سرعان ما سقط في دوامة حرب الطاقة الناشبة بينهم وبين روسيا، حيث عادت ألمانيا وغيرها إلى أحضان الفحم من جديد.
في سبتمبر من العام الماضي، ارتفع سعر الفحم وتوقفت محطات توليد الطاقة الصينية عن الشراء لتغطية كامل احتياجاتها منه، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء، واضطرار بعض المصانع إلى قطع الكهرباء، ما أفقد بعض المدن، التدفئة، وتعطّل عمل المصاعد في المباني، وكذلك إشارات المرور.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد سكب في يناير الماضي، الماء البارد على آمال المناخيين، حين أكد أن بلاده بحاجة إلى «التغلب على فكرة النجاح السريع»، وأن «الحد من الانبعاثات لا يتعلق بخفض الإنتاجية ولا يتعلق بعدم الانبعاث على الإطلاق».
من الواضح أن أزمة الطاقة التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي صدمت الدول المستوردة لمصادر الطاقة التقليدية، لاسيما النفط والغاز، قد أجبرت الصين، وبقية الدول المستوردة للطاقة الأحفورية، على إعادة النظر في حساباتها، بما يشمل التزاماتها المناخية تجاه خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والسعي إلى مضاعفة مصادر إنتاج طاقتها المحلية. وكيف لا وقد أدت هذه الصدمة إلى ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري بصورة غير مدرجة في حسابات الموازنات العامة للدول. وهذا ما يفسر تضمين الخطة الخمسية الصينية الأخيرة هدفاً محدداً لإنتاج الفحم، بما يشمل إنشاء محطات فحم صغيرة، وترقية محطات الفحم الحالية، ما سيضيف 800 جيجاوات من قدرة توليد الطاقة، إضافة إلى السعي إلى استعادة واستقرار إنتاج النفط عند مستوى 200 مليون طن سنوياً بحلول عام 2025، بزيادة قدرها 5% على عام 2018، وإنتاج 230 مليار متر مكعب من الغاز بحلول عام 2025، بزيادة قدرها 19% على عام 2020. بموازاة ذلك ستقوم الصين بتعزيز مصادر طاقتها المتجددة والطاقة النووية. فبحلول عام 2025، ستستهدف رفع نسبة استهلاك الطاقة غير الأحفورية إلى 20%، وتوليد الطاقة غير الأحفورية إلى 39%. وستقوم بذلك إلى حد كبير، من خلال بناء «مراكز للطاقة النظيفة»، خاصة في غرب الصين الأكثر فقراً والأقل كثافة سكانية. فهي تخطط، على سبيل المثال، لتركيب 450 جيجاوات من الطاقة المتجددة في صحراء جوبي، وهو ما يزيد على إجمالي وسائط توليد الطاقة الشمسية والرياح في الولايات المتحدة.
إنها الصدمة الثانية (بعد صدمة كوفيد  19) التي يتعرض لها قطاع الطاقة في العالم في ظرف سنتين، والتي أجبرت الولايات المتحدة في 31 من مارس الماضي على الإعلان عن تحرير 180 مليون برميل من احتياطيها النفطي الاستراتيجي في السوق، بواقع مليون برميل يومياً لمدة 6 أشهر؛ أي بنسبة 31.7% من إجمالي احتياطيها الذي بلغ في 25 مارس 2022، 568 مليون برميل. وكانت واشنطن قد اضطرت مطلع مارس الماضي لتحرير 30 مليون برميل. وكل ذلك من أجل خفض أسعار البنزين وأسعار الديزل التي ارتفعت على المستهلك الأمريكي بشكل يهدد مصير الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس النصفية التي ستُجرى في الثامن من نوفمبر المقبل لانتخاب 469 عضواً، 34 لمجلس الشيوخ، وجميع أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضواً. وهذا بطبيعة الحال سينعكس سلباً على تحضيرات مؤتمر الأطراف السابع والعشرين لتغير المناخ (COP-27) الذي ستستضيفه مدينة شرم الشيخ المصرية في أواخر هذا العام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"