عادي

السُنّة.. المنهج التفصيلي لحياة المسلم

22:21 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

لا تتوقف محاولات الطعن في السنة النبوية، والتقليل من أهميتها، والتشكيك فيها كمصدر أساسي للتشريع الإسلامي؛ إذ يرى البعض أنه يمكن الاعتماد على القرآن الكريم وحده في التعرف إلى الإسلام باعتباره المصدر الأساسي الموثوق فيه؛ خاصة أن الله سبحانه وتعالى يقول في وصف هذا الكتاب الحكيم: «ما فرطنا في الكتاب من شيء»، فهل بالفعل يمكن الاعتماد على القرآن الكريم وحده للتشريع ومعرفة تفاصيل الدين الإسلامي؟

يؤكد د. أحمد معبد، أستاذ السنة النبوية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن القرآن الكريم هو الدستور الشامل للمسلمين، والمصدر الأول للتشريع، لكن لا يكفي وحده للتعرف إلى تفاصيل الإسلام كعقيدة وشريعة ومنهج حياة؛ إذ تأتي السنة النبوية لتشرح وتوضح التفاصيل التي أجملها القرآن.

ويضيف: لا يتعارض القرآن الكريم مع السنة النبوية الصحيحة في حكم من آلاف الأحكام الشرعية، والقرآن الكريم نفسه هو الذي يؤكد حجية السنة وضرورة العمل بما يقول به الرسول، صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول الحق سبحانه: «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»، ففيما قبل كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو المبين للقرآن، والمجسد للإسلام، بقوله وعمله وسيرته كلها؛ لذلك كان من واجب المسلمين أن يعرفوا هذا المنهاج النبوي المفصل، وأن يلتزموا بما فيه من أحكام وآداب، وأن يتخذوا من أقوال الرسول وأفعاله الأسوة الحسنة في حياتهم كلها، كما قال تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً» وقال تعالى: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم».

1

أسباب التشكيك

ينبه د. أحمد معبد إلى أن الهجمة على السنة قديمة وتتجدد باستمرار، وأن أغلب الشبهات التي تثار الآن معروفة، لكن أصحابها يقدمونها في ثوب جديد. ويقول: مسألة الطعن أو إثارة الشبهات في ثوابت الإسلام ومصادره وفي مقدمتها القرآن الكريم، معروفة، والسنة ليست هي الوحيدة، لكننا حين نوسع الفكر والقراءة نجد أن الإسلام مستهدف لتشويه صورته، وزعزعة ثقة كل ما يمكن أن يعتز به المسلم. ولذلك ينبغي أن نكون على وعي بما يحاك لنا في عالم اليوم من دعاوى وأكاذيب تستهدف شغلنا بجدال ومعارك جانبية، تصرفنا عن أهدافنا الحقيقية كمسلمين، نواجه تحديات كثيرة لها جوانب فكرية وثقافية، فضلاً عن التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

ويطالب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر المثقفين العرب بالتروي قبل التورط في التطاول على مصادر السنة النبوية الصحيحة، ويدعو إلى أن يعي المسلم الأهداف الحقيقية من التطاول على السنة النبوية والتشكيك فيها.

فوائد

عالم السنة النبوية د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر يؤكد حاجة المسلمين في كل عصر، وفى كل مكان إلى الهدي النبوي، لينير لهم طريق الهداية والرشاد، ويبصرهم بتعاليم وأخلاقيات دينهم. ويقول: علمنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من خلال أقواله وأفعاله وسيرته العطرة كل الآداب الفاضلة، والأخلاق الراقية، والسلوك المتحضر، وربانا على المثل والمبادئ التي تحقق لنا السعادة والطمأنينة، وتجلب لنا رضا الخالق والمخلوق.

ويضيف: للأسف ابتعدنا كثيراً عن هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأهملنا توجيهاته النبوية القويمة، ووصاياه الرشيدة، فشاعت بيننا البغضاء وانتشرت السلوكات المرفوضة، واختفت قيم الرحمة والتكافل والمودة والعفو وغير ذلك من فضائل الإسلام، التي تجسدت في سلوكيات الرسول وأقواله وتوجيهاته الكريمة.

ويرى أن واجب المسلم في كل عصر أن يقف على التوجيهات والآداب والقيم والأخلاقيات الإسلامية التي أرساها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليستفيد منها، ويعمل بها حتى يعيش حياة تسودها الطمأنينة والسعادة والرضا.

ويؤكد حاجتنا جميعاً إلى السنة النبوية لنتعرف إلى ديننا حق التعرف، موضحاً أن القرآن الكريم وهو كتاب الله المعجز المحفوظ الخالد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الأول المقطوع بثبوته من أوله إلى آخره، وبه يحتج على كل مصادر الإسلام وأدلته الأخرى، ولا يستدل بها عليه، هو الذي يرشدنا ويوجهنا إلى أهمية السنة النبوية كمصدر ثانٍ للتعرف إلى الإسلام بعد القرآن؛ حيث يقول الحق سبحانه: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم»، فالرسول هو المبين للقرآن بقوله وعمله وتقريره.

ويضيف: من هنا يتضح لنا أن السنة النبوية هي «التفسير العملي للقرآن»، والتطبيق الواقعي، والمثالي أيضاً، للإسلام، والرسول في كل ما ينطق به يلتزم بما جاء في كتاب الله؛ لذلك حينما سئلت السيدة عائشة، رضي الله عنها، عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خلقه القرآن»، فالسنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول التشريع الإسلامي، رضي من رضي وأبى من أبى، هذه هي الحقيقة الدامغة التي اتفق عليها علماء المسلمين قديماً وحديثاً.

خطأ

هل كل ما جاء في كتب السنة الصحيحة مناسب للعصر؟ يجيب د.أحمد عمر هاشم قائلاً: يخطئ من يظن أو يتوهم أن السنة النبوية تراث عفا عليه الزمن، وأن توجيهات رسول الله الخاتم ووصاياه صلى الله عليه وسلم كانت لأمة تعيش ظروفاً غير ظروفنا، ومشكلات غير مشكلاتنا، وقضايا غير قضايانا، وبالتالي لم يعد بها إلا القليل الذي يصلح لعصرنا. هذا الفهم الخطأ للسنة النبوية، وتلك المزاعم الكاذبة لا تتوقف، وترددت على ألسنة المستشرقين وخصوم الإسلام هنا وهناك، والمؤسف والمحزن أنها تتردد على ألسنة أناس من أبناء المسلمين يدّعون العلم، ويتمسحون في الثقافة، ويرفعون شعار حرية الرأي والتعبير.

ويضيف: السنة النبوية لها عطاؤها الديني والاجتماعي والأخلاقي، ويتجدد هذا العطاء في حياة المسلمين في هذا العصر وكل عصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومنهج السنة النبوية يتميز بالشمول والمرونة، فهي ذات «منهج واقعي» تتعامل مع الناس من خلال رؤية شاملة، تراعي فيهم غرائزهم وشهواتهم، ولهم ضروراتهم وحاجاتهم، كما أن لهم أشواقهم الروحية العليا، وتطلعاتهم إلى الملأ الأعلى، ومن أجل هذا راعت السنة ضعف الإنسان، ووسعت في دائرة المباحات، وضيقت دائرة المحرمات، وأباحت له الضرورات عند وقوع المحظورات؛ بل راعت حاجات الإنسان، وراعت السنة كذلك واقع الإنسان وضعفه إذا سقط في المعصية، فلم تسد في وجهه باب التوبة.

ومن خصائص السنة النبوية كذلك، كما يقول د. هاشم، أنها تتميز باليسر والسهولة والسماحة، فرسول الله كما جاء في وصفه وبيان منهجه أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم الخبائث ويضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.

وينتهي إلى تأكيد صلاحية السنة النبوية لهداية المسلمين في هذا العصر وكل عصر، ويقول: لا يوجد في سنة رسولنا العظيم ما يحرج الناس في دينهم، أو يرهقهم في دنياهم؛ بل هو الرحمة في أسمى صورها وهو القائل عن نفسه: «إنما أنا رحمة مهداة»، والقائل: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً»، وهو من دعا إلى التيسير في قوله صلى الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وتطاوعوا ولا تختلفوا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"