خطط جديدة لـ «الناتو»

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

فرضت العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا على حلف شمال الأطلسي (الناتو)، السعي إلى ما يمكن تسميته بأكبر إصلاح للدفاع الجماعي في صفوف الحلف منذ الحرب الباردة، حيث أعلن أمين عام حلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ عن خطط ضخمة لزيادة حجم قوات الحلف للتدخل السريع إلى ما يزيد على 300 ألف جندي، بدلاً من 40 ألف جندي يتمركز معظمهم حالياً في الجناح الشرقي للحلف.
وقال ستولتنبرغ، إن الزيادة تأتي إثر ما أسماه التهديد المباشر من روسيا للأمن الأوروبي، واصفاً هذه الخطوة بأنها رسالة ردع واضحة لروسيا، متهماً روسيا بتهديد القواعد الحاكمة للنظام الدولي، الذي يسعى كما هو معروف، إلى تسييد الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة على العالم.
واللافت هو أن هذه التصريحات تأتي متزامنة مع تصريحات لمسؤولين أمريكيين، بأن لغة جديدة و«قوية» سيتم تبنّيها تجاه الصين، فيما تشير تقارير إخبارية إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا تدفعان نحو موقف أكثر قوة، لتحجيم ما تريانه تهديداً متصاعداً من الصين لتايوان.
ولو عدنا إلى الحرب في أوكرانيا؛ أي فتيل الأزمة الأهم بين الغرب وروسيا، والتي لا يستبعد أن يخلق الغرب مشابهاً لها مع الصين، لوجدنا أن هذه الحرب قد انتقلت من حرب خاطفة خططت لها روسيا للرد على استفزاز وخطط «الناتو» ضدها، إلى حرب طويلة، وحرب قدرات وإمكانات نظراً لوجود خيار الأسلحة النووية التي يتحاشاها طرفا الصراع، ويتخوّف منها العالم بأسره.
وقد يتساءل البعض عن النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها هذه الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة ومعها دول «الناتو» من جهة، وروسيا من جهة أخرى، على الأرض الأوكرانية، ولو بشكل غير مباشر؛ ذلك أنه على الرغم من كل الدعم الغربي لأوكرانيا وتزويدها بكميات هائلة من الأسلحة، فإنه ما تزال القوات الروسية تتقدم بثبات على الأرض وإن كان ببطء، تفرضه تعقيدات المشهد وقواعد اللعبة، سواء من الناحية العسكرية على الأرض أو على الصعيد الاقتصادي، خاصة أن العقوبات الغربية على روسيا حتى الآن، لم تستطع هز الاستقرار الروسي. وعلاوة على ذلك، فإن موسكو تدرك أن انتصارها في أوكرانيا قد لا يعني انتصارها الكلي، فالولايات المتحدة والغرب من ورائها قد يدفعان بآخرين في شرق أوروبا لمناهضة روسيا.
 لكن الرياح قد لا تجري بما تشتهيه سفن الغرب وأحلامه، في ظل الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها الدول الغربية جراء الأزمة الأوكرانية، زد على ذلك أن الحرب على الرغم مما ألحقته من خسائر، فإنها لم تؤثر في المجتمع الروسي الذي يقف متكاتفاً إلى أقصى الحدود حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومستعد لتحمّل المصاعب في مواجهة الولايات المتحدة، على خلفيات أيديولوجية وقومية بالنسبة لكثير من الروس.
إضافة إلى أن فصل الشتاء القادم، قد يُعطي روسيا أوراق قوة أكثر عندما تمارس الضغط باستخدام الطاقة إلى الحد الأقصى، لا سيما أن الدول الغربية تعتمد بشكل رئيسي على إمدادات الغاز والنفط الروسيين، اللذين يبدو إلى الآن أن بدائلهما لن تتوفر بسهولة، والتكاليف ستكون أكبر بكثير.
وعليه، فإنه على الرغم من الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية والتي تحقق فيها روسيا مكاسب على الأرض، فإن موسكو تدرك جيداً أن حربها الأهم هي الاقتصاد، وأنها تمسك بأوراق قوة كبيرة على الرغم من تفوّق الغرب اقتصادياً عليها.
أخيراً، وبالعودة إلى قرار «الناتو» الأخير زيادة حجم قواته للتدخل السريع، فإن هذا القرار لن يرغم روسيا على التراجع عن أهدافها لا سيما في أوكرانيا، والتي استطاعت حتى الآن تحقيق معظمها، وإنما قد ينذر بصراعات أخرى ستدفع ثمنها أوكرانيا وتلك الدول التي يدفع بها الغرب إلى المواجهة مع روسيا، لتخوض معها حروباً بالوكالة، والخاسر الوحيد فيها هو شعوب تلك الدول.

[email protected]

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"