عادي
رسم وجه زوجته على شكل ذرات

سلفادور دالي يحول الحب إلى فيزياء

23:23 مساء
قراءة 4 دقائق
سلفادو

الشارقة: علاء الدين محمود
مواهب غير محدودة، تلك التي كان يتمتع بها الفنان الإسباني سلفادور دالي «1904 1989»، فهو رسام ونحات ومصمم ديكور وكاتب، ومهتم بالعلوم والنظريات العلمية، إضافة إلى كونه يعتبر من أهم فناني القرن العشرين، وأبرز أعلام المدرسة السريالية، وهو صاحب أسلوب فريد ومختلف، ومقدرة على الابتكار والتعبير الفني بخيال جامح يصل إلى حدود الجنون، فأعماله تكاد تصدم المشاهد بمواضيعها الغريبة، ولا يكتفي بذلك الجنون المفرط في الرسم والتشكيل، بل وكذلك على مستوى تعليقاته على اللوحات وكتابته غير المألوفة والتي أكد النقاد على أنها تصل حد اللامعقول والاضطراب النفسي.

لدى دالي عدد من المؤلفات أشهرها كتاباً بعنوان: «يوميات عبقري في باريس»، وهو مأخوذ من دفتر يومياته الذي يغطّي المرحلة الممتدة من عام 1953 إلى 1963 من حياته، ويُشكّل تكملة لسيرته الذاتية التي صدرت بعنوان: «الحياة السرية لسلفادور دالي» والذي يُعتبر من أكثر كتب دالي إثارة مثلما كانت حياته وفنه الذي يختلط فيه الجنون بالعبقرية، فهو استثنائي في فوضاه وإبداعه ونرجسيته.

لوحة «جالاتيا ذات الأفلاك»، تقف شاهدة على عبقرية دالي بل وجنونه، فقد عمل على رسم وجه محبوبته وزوجته جالا بطريقة غريبة بحيث يبدو وجهها مكوناً من ذرات مجزأة معلقة في الفضاء كنواة الذرة، تتجه نحو المركز بوضع محوري ثلاثي الأبعاد بمنظور مُذهل بطريقة أقرب إلى الانشطار النووي، حيث إن جالا في اللوحة تمثل الأنثى الأسطورية الأبدية وتدور مثل الأفلاك السماوية، واللوحة مثال على كيفية تحويل التركيب الجزيئي للذرة إلى محاكاة بصرية، ويظهر العمل مهارات دالي التقنية في تكوينه وبراعة التوزيع المكاني ونقاء الألوان، وحبه لجالا محور حياته، كما أن اللوحة تعكس قدرات دالي الفنية التي جعلته أشهر فنان سريالي حتى يومنا هذا.

اللوحة رسمت عام 1952 بألوان زيت على قماش بقياس 65.0 × 54.0 سم، وتنتمي إلى عوالم دالي السريالية وتأويلاته الغريبة والعجيبة للوقائع، وقد أنجز الفنان اللوحة في وقت يمثل فترة الازدهار النووي، وهوس دالي بالعلوم وتفكك الذرة المؤدي لإنتاج الطاقة النووية، حيث كان الفنان شديد الاهتمام بالفيزياء النووية منذ أول انفجار للقنبلة الذرية في أغسطس 1945، وكعادة دالي في تعامله وعلاقته الغريبة بالأشياء فقد وصف الذرة بأنها «طعامه المفضل للفكر»، حيث إنها قد شكلت مصدر إلهام له، ولفت نظره أن المادة تتكون من ذرات لا تلمس بعضها بعضاً، وأعجبه ذلك الأمر فسعى إلى تكراره في أعماله الفنية في ذلك الوقت، حيث كانت معظم العناصر والكائنات في لوحاته معلقة ولا تتصل ببعضها، كما فعل في عمله المميز «مادونا بورت ليجات»، وهي لوحة كان موضوعها هو الآخر زوجته جالا، إلى جانب لوحته «جالاتيا ذات الأفلاك»، التي وجدت صدى كبيراً، حتى أن صديقه وزميله الرسام أنتوني بيتكسوت، ذكر أن دالي قد اكتسب عبر تلك اللوحة إحساساً بالحركة والسرعة لا سيما من خلال شعر جالا المتدفق في فضاء اللوحة.

انفتاح

تشير اللوحة إلى انفتاح دالي على العلوم، خاصة في مجال الفيزياء النووية، حتى أن تلك الفترة من حياته عرفت بمرحلة «التصوف النووي»، وفي الواقع كان دالي شديد التفوق في مجال الرياضيات، وكثيراً ما قارن النقاد بينه وبين الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي بسبب فكره الشامل ومعرفته بالكثير المواضيع والعلوم والأفكار، وخلال الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، تحول تركيز دالي بصورة كبيرة إلى العلوم الطبيعية، وكان شديد الإعجاب بشخصيات شهيرة في مجال العلوم والطب مثل آينشتاين.

للوحة صلة بعلاقة عاطفية مجنونة وجامحة وصفت بأنها من أكثر قصص الحب غرابة في التاريخ، تلك التي جمعت بين دالي وجالا وأسمها الحقيقي هيلينا إيفانوفنا دياكونوفا، تلك الفتاة التي وصفت بأنها كانت شديدة الذكاء وغامضة وفاتنة وتمتلك حساً فنياً عالياً وتأثيراً قوياً في الدوائر الفنية والثقافية في أوروبا، وهي روسية الأصل، ويقال إنها كانت تكبر دالي ب 10 سنوات، وكانت متزوجة من الشاعر الفرنسي بول إيلوار، وهو أحد مؤسسي الحركة السريالية، غير أنها انفصلت عنه وجمعها الحب من أول نظرة بدالي، حيث انتقلت للعيش معه منذ عام 1929 ثم تزوجا عام 1934، وفى مذكراته يحكى دالي عن ذلك اليوم الصيفي من شهر أغسطس 1929، الذي التقى فيه جالا لأول مرة وكان يبلغ من العمر حينها 25 سنة، وكان وقتها قد عاد من باريس إلى كاداكيس في إسبانيا في عطلة الصيف، وحضر مجموعة من أصدقاء دالي لقضاء العطلة معه ومنهم المخرج السينمائي لويس بونويل والفنان رينيه ماجريت.

*رحيل

ظلت جالا تعيش مع دالي 47 عاماً، وكان يعتبرها مصدر عبقريته وكان رحيلها هو الفكرة الأصعب والأقسى، حيث عاش بعدها حزيناً ما جعل الأوجاع تتمكن من روحه الجريحة حتى أصيب بالشلل الرعاش فخذلته يداه وأصبح لا يمارس الرسم، وانتقل دالي للمدينة التي دفنت بها جالا ليظل بجانب قبرها يزوره دائماً ويستأنس به حتى توفي بعدها ب7 سنوات، ومن أشهر الكلمات التي قالها في وصف علاقته بها: «إنه بدمائك يا جالا أرسم لوحاتي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"