صحوة المارد الألماني

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

رغم التصريحات والمواقف المعلنة، حول وحدة الموقف الأوروبي إزاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن أوروبا تعيش، في الواقع، بين نارين، الخوف من ارتدادات العملية الروسية على بقية أنحاء القارة العجوز، والارتياب من صحوة المارد الألماني الذي يسعى إلى استغلال الأحداث الأوكرانية لإعادة بناء جيش ألماني عظيم بذريعة حماية ألمانيا وحلفائها.
 وحدة الموقف الأوروبي المعبر عنها، ليست سوى وحدة ظاهرية تخفي وراءها الكثير من الخوف والارتباك، ذلك أن الدب الروسي الذي انتظر طويلاً احترام فضائه الجيوسياسي، دخل بالفعل بيت الخزف، بعد أن ووجه برفض قاطع لمصالحه ونفوذه الجيوسياسي، الذي ورثة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ليجد نفسه محاصراً ضمن استراتيجية محكمة في قطاعه الجغرافي. ولم تجد دعوات موسكو قبل عمليتها العسكرية في أوكرانيا أي آذان صاغية، لأخذ مصالحها في الاعتبار، وإعادة صياغة الأمن الأوروبي على أساس الأمن للجميع. 
 الآن يتضح أن أوروبا الخائفة من ارتدادات العملية الروسية، والتي باتت تخشى من رسم خريطة جديدة للقارة العجوز، تحاول تنحية خلافاتها جانباً، والتحدث بصوت واحد في مواجهة موسكو، من دون أن يكون لها القدرة على وقف العملية الروسية أو ارتداداتها لاحقاً. 
على الجانب الآخر لم يدر بخلد أوروبا التي اكتوت بنيران الحرب العالمية الثانية، أن يظهر من بينها من يثير الشكوك في إمكانية إعادة إحياء الحقبة النازية. 
 فهل كانت ألمانيا تنتظر هذه اللحظة التاريخية، لاستغلال الأحداث الأوكرانية ورصد 100 مليار يورو، لإعادة بناء جيشها على نحو يتفوق فيه على كل نظرائه في الجيوش الأوروبية، بذريعة حماية البلاد وحلفائها خصوصاً في أوروبا الشرقية؟ 
 حسناً، لقد سمح الحلفاء بعد جدل، وبعد 10 سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية أي في عام 1955 بتشكيل جيش دفاعي ألماني، وفق شروطهم، وبوجود قواعد لحلف «الناتو» على الأراضي الألمانية. لكن اللافت هو الحديث عن حماية الحلفاء في شرق أوروبا، وهي دول ضعيفة عسكرياً، وقد سارع معظمها إلى الانضمام لحلف «الناتو» طلباً للحماية، وبالتالي فإن هذه الدول تخشى أكثر من غيرها، ظهور دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً وبشرياً مثل ألمانيا، يمكن أن يؤدي أي توتر أو خلاف معها مستقبلاً إلى اجتياحها. 
 وبالتالي فإن هناك تساؤلات كثيرة حول الصحوة الألمانية، والدخول في سباق تسلح جديد، مع أن هذه الصحوة يبدو أنها لم تكن مفاجئة، مع وجود تقارير تفيد بأن هذا التوجه نوقش مراراً وتكراراً في المحافل الألمانية. 
قبل تنحي ميركل كان الحديث يدور عن إنشاء جيش أوروبي موحد، بهدف اعتماد أوروبا على نفسها، الآن بدأت أوروبا تخاف من نفسها، وربما تلتقي مع روسيا التي تخشى من اندلاع حرب معها في التحذير من عودة الحقبة النازية مجدداً، والأسوأ أن كل العقوبات والتصريحات والمواقف المتخذة ضد روسيا، لإظهار وحدة الموقف الأوروبي، تقوم على بحر من الخلافات والشكوك الداخلية، بينما تمضي روسيا في رسم خريطتها الجيوسياسية على طريقتها الخاصة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"