لا ناقة لها في الحرب ولا جمل!

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

حدث بالنسبة لروسيا في السابع والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، ما لم يحدث لها على امتداد قرن كامل من الزمان، وإذا شئنا الدقة قلنا إن ما حدث لم يحدث للروس على مدى قرن كامل وأربعة أعوام من الزمان.. فلقد كانت آخر مرة واجهت العاصمة الروسية مثل هذا الموقف في عام 1918، عندما أعلن فلاديمير لينين بعد قيام الثورة الشيوعية بسنة واحدة، أنه ليس ملتزماً بالديون أو القروض التي كان القياصرة من قبل قد حصلوا عليها. 
 وبالتالي، فما جرى في تلك الأيام مختلف من حيث طبيعته عما وجدت روسيا أنها تقف في مواجهته في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. 
 أما ما حدث هذه الأيام فهو أنه قد جرى الإعلان من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفائهما، أن موسكو قد تخلفت عن سداد ديونها المستحقة في اليوم المشار إليه، وأن حجم الديون التي كان من الواجب سدادها في ذلك اليوم يصل إلى مئة مليون دولار. 
 ولم يتم الإعلان عن ذلك من جانب أمريكا وأوروبا وحلفائهما فقط، ولكن أعلنته أيضاً مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني!، ولأن هذه المؤسسة متخصصة في موضوعها، فإن ما أعلنته قد أخذ ما يشبه الطابع الرسمي في الموضوع أمام العالم. 
وبالطبع، فإن حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تسكت؛ لأن ما جرى الإعلان عنه يعتبر مساساً بسمعتها الاقتصادية بالذات، فسارعت تقول إن ما قيل غير صحيح، وبالأحرى غير دقيق، لأنها من ناحيتها دفعت الأموال المستحقة عليها في العشرين من مايو/ أيار الماضي، ولكن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب عليها هي التي حالت دون وصول الأموال إلى أصحابها. 
 وما يقوله الروس صحيح من حيث الشكل، ولكنه ليس صحيحاً من حيث المضمون؛ لأنهم إذا كانوا قد دفعوا الأموال في موعدها من ناحيتهم، وهذا في الأغلب هو ما حدث بالفعل، فإن العبرة في موضوع كهذا هي بالنتيجة الحاصلة على الأرض. 
والنتيجة العملية أمامنا هي أن الذين انتظروا مستحقاتهم من الدائنين لم يصلهم شيء مما كان يجب أن يصلهم في موعده، فأصبحت روسيا في موقع الدولة العاجزة عن سداد ديونها، رغم صحة ما يقال من ناحيتها من تفاصيل في القضية. 
 وهكذا تنتقل الحرب الروسية على أوكرانيا من مربع إلى مربع آخر تماماً، وتكتشف روسيا من جديد أنها لا تحارب الأوكرانيين وحدهم في حقيقة الأمر، ولكنها تحارب جبهة عريضة طويلة اسمها الغرب في عمومه، وبكل المساحات التي يمكن أن يتمدد عليها هذا الغرب فوق خريطة العالم. 
 ولا يزال الطرفان يلعبان لعبة عض الأصابع الشهيرة، وهي لعبة أساسها أن يضغط كل طرف على الآخر، ويكون الرهان على من يقول «آخ» منهما أولاً!.. ولا بد أن حكاية عجز روسيا عن سداد ديونها، كانت ولا تزال خطوة أمريكية غربية في اتجاه أن تصرخ موسكو وتقول: آخ !. 
 ولكن ما قاله الرئيس الأوكراني عن أن بلاده في حاجة من الغرب إلى خمسة مليارات دولار شهرياً لتأمين الدفاعات المطلوبة ضد القوات الروسية، يشير إلى أن الغرب الذي عليه أن يوالي الوفاء بهذا المبلغ على وشك هو الآخر أن يقول: آخ!. 
 والمشكلة أن شعوباً كثيرة حول العالم هي التي تقول ذلك نيابةً عن الطرفين، منذ أن أطلق بوتين عمليته العسكرية في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، رغم أنها شعوب لا ناقة لها في هذه الحرب ولا جمل.. وقديماً كانوا قد تحدثوا عن الأفيال التي تتصارع وعن الخزف الذي يتكسر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"