عادي

مفتي مصر: الفكر الإسلامي أسّس لمبدأ عدم التعصب وارتكز على التجديد

17:45 مساء
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»
قال مفتي مصر، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم،شوقي علام، إن الفكر الإسلامي الفقهي أسس لمبدأ عدم التعصب لمذهب فقهي واحد على حساب مقصد التجديد، ومصلحة المجتمع.
وقال المفتي إننا في أمسّ الحاجة إلى هذا المبدأ اليوم لتحقيق الانضباط في فقه النوازل والحوادث لتحقيق مصلحة المستفتي، بعيداً عن التحزب المذهبي.
وأضاف علام، خلال مشاركته في أعمال ندوة الحج الكبرى 46، التي عقدت بعنوان «الحج ما بعد الجائحة.. نسك وعناية»، أن المنظومة الفقهية الإسلامية، ارتكزت منذ نشأتها وتأسيسها على عدة مبادئ، ضمنت لها التجديد التلقائي، والتطور الذاتي، الذي لا يتوقف مهما تعاقبت عليها الأزمان.
* الرؤية الواعية *
وأوضح أهمية الرؤية الواعية مِن قبل الفقيه لظروف العالم حوله، وإدراك متغيراته بدقة وعمق، ولعل مِن أبرز ما يعبر عن ذلك في تلك المنظومة اعتبار العرف عنصراً مؤثراً في الأحكام الشرعية، ولذلك تقرّر في قواعد الشريعة مبدأ «العادة محكمة»، فكان اعتبار العادات والأعراف نافذة الفقهِ الإسلامي للتفاعل مع العالم، وضامناً للمرونة الفقهية، التي تساعد الفقه على التجاوب والتجديد وفقاً للسياق الاجتماعي والتاريخي والظرف الراهن بوجه عام.
وأضاف أن من بين تلك المبادئ، النظر المقاصدي، وهو ركيزة أخرى كان لها دورها في الحفاظ على حيوية المنظومة الفقهية، وضمان تجددها المستمر، وقد جرى هذا الأصل على تقسيم المصالح ومقاصد التكليف إلى ثلاثة أقسام، كما قال الشاطبي: «تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام، أحدها: أن تكون ضرورية، والثاني: أن تكون حاجية، والثالث: أن تكون تحسينية». وفي إطار ذلك تدور الأحكام الشرعية للمحافظة على تلك المصالح، وتحقيق المقاصد الكلية للشريعة من حفظ النفس والمال والنسل والعقل والدين.
* التيسير والسماحة *
وشدد علام على أنه للمنظومة الفقهية الإسلامية منهجُها الرَّصينُ، وضوابطُها الواضحة في احتواء النوازل والمستجدات على مدى القرونِ السالفةِ، موضحاً أن تلك المنظومة قد اعتمدت مبادئَ التيسيرِ والسماحةِ، وسهولةِ التطبيقِ، وتنزيلِ الأحكام الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة على الواقعِ بما يوافق حالةَ الإنسان الخاصةَ وظروفَ المجتمعات بشكل عامٍّ، وهذا يُعدُّ من أهم خصائص الشريعة الإسلامية بصفة عامة، وقد أثمرَ ذلك بالضرورة صلاحيةَ هذه الشريعة لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ومرونتَها الكبيرة في مواجهة النوازل والقضايا التي تَستَجِدُّ؛ ذلك لأن الشريعة الإسلامية ربانيةُ المصدر، مراعيةً لمصالح العباد، نافيةً لجميع صور التشدد والغُلُوِّ والتضييق.
ولفت المفتي النظر إلى ضوابط مرونة الفقه الإسلامي وقدرته على مسايرة القضايا المعاصرة والنوازل والمستجدات، وتفاعله معها، والتأصيل الشرعي لها، ووضعها في الإطار الصحيح، والتعامل معها بإيجاد الحلول الشرعية المناسبة لها على المستوى العام والخاص.
وأوضح أن هذه العملية لا تعني أنها مجرد دعوى دون حدودٍ تؤدي للتفلّت من معايير التراث الراسخة المستقرة، وإنما هي للتفكر والاجتهاد، وبيان قدرة تراثنا الفقهي على تقديم مفاتيح معرفيةٍ عصرية يتم من خلالها تلبية حاجة الإنسان المعاصر داخل دائرة الشريعة.
وشدد على ضرورة مراعاة الضوابط الحاكمة لهذه العملية الفكرية، من الانتباه إلى قضية ثوابت الشريعة ومتغيراتها، وما هو مجمع عليه عند المسلمين، ومراعاة القطعي والظنّي من حيث الثبوت أو الدلالة، وكذلك التقيّد بمعاني اليسر والتخفيفِ ورفع الحرج في الكتاب والسنة، والالتفات إلى عدمِ مجاوزة النص الشرعي، والحذر من استنباط معنى على أحد الأحكام الشرعية الثابتة والمعاني الدينية الكلية بالنقض والبطلان.
وقال إنه من الضروري أن يكون القائم بالاجتهاد من أهل العلم المتمتعين بالملكة الفقهية، مع نفاذِ النظر، والإحاطة بالواقع الخاص بالقضية محل الاجتهاد.
* قيم إنسانية وحضارية *
وأكد المفتي أن تراثنا الفقهي ليس مجموعة من النصوص الحرفية، أو المخطوطات العلمية، التي إذا عملنا على خِدمتها وتحقيقها وإخراجها نكون قد أدينا كل ما يجبُ علينا تجاه التراث، بل إن التراث في المقام الأول هو مجموعة القيم الإنسانية والحضارية، التي انبثقت أنوارها من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فوصل ديننا الحنيف إلى شتى بقاع المعمورة بشكل لافت للنظر، حيث حمل الناس بدافع الحب والانبهار والإعجاب والاقتناع بتلك القيم على الدخول في دين الله أفواجاً، وإن واجبنا اليوم وغداً وكل يوم هو الحفاظ على ذلك الموروث وتطويره حتى يظل حياً وقادراً على أداء دوره إلى قيام الساعة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"