الغرب يبتعد عن تعهداته المناخية

22:31 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

حسناً فعلت الدول النامية في اجتماعات بون التحضيرية لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين (COP-27)، الذي ستستضيفه مدينة شرم الشيخ المصرية، خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، حين أصرت على تصدر موضوع التمويل جدول اجتماعات بون لهذا العام التي عقدت خلال الفترة من 31 مايو/ أيار إلى 16 يونيو/ حزيران 2022، تحت ضغط ما يسميه المناخيون الأوروبيون حس المسؤولية والإلحاحية. وهو تعبير بدأوا يستخدمونه لدفع دول مجموعة ال 77+الصين، ل«إبداء مرونة» فيما يتعلق بموضوعي التخفيف (Mitigation) والتكيف (Adaptation).

لكن الدول النامية (مجموعة 77+الصين)، صُدمت من تلاشي وتبخر ذلكم الشعور بالإلحاح الذي تراءى لها في مؤتمر الأطراف ال 26 في جلاسجو. كالعادة حشد المناخيون الأوروبيون بالتنسيق مع الأمم المتحدة بعض جماعات ال«NGOs»، لإعطاء انطباع مزيف بالالتزام بما جرى الاتفاق عليه في باريس وفي مؤتمرات الأطراف اللاحقة. وذهبت محاولات الدول النامية في بون لإعادة النقاشات إلى نصابها الصحيح فيما خص الالتزامات المالية (تمويل برامج ومبادرات خفض الانبعاثات «التخفيف»، والتكيف في الدول النامية المهددة بما تسمى اصطلاحاً مناخياً، الخسائر والأضرار (Loss and damage) الناتجة عن تسارع وتيرة الكوارث الطبيعية المتطرفة، كإحدى ظواهر تغير المناخ – ذهبت أدراج الرياح). فقد رفضت دول الاتحاد الأوروبي الطلب الملح للدول النامية بإدراج موضوع إنشاء مرفق تمويل مخصص لقضية الخسائر والأضرار على جدول أعمال مؤتمر الأطراف المقبل في مصر. وقد تحججت الدول الأوروبية بالقول إن خفض الانبعاثات سيقلل الكوارث الطبيعية وترتيباً الخسائر والأضرار. لكن خفض الانبعاثات لن يحدث في بلدان الاتحاد الأوروبي الذي عادت بلدانه لاستخدام الفحم في إنتاج الطاقة بعد حظر وارداتها من النفط والفحم الروسيين، وإنما خفض الانبعاثات يجب أن تقوم به الصين (!). حتى الرئيسة التنفيذية لتغير المناخ، المنتهية ولايتها والمنصرفة في يوليو/ تموز 2022 بعد 6 سنوات من العمل، المكسيكية باتريشيا إسبينوزا، أبدت امتعاضها من موقف دول الاتحاد الأوروبي الرافض دفع حصته في خفض الانبعاثات بناءً على مسؤوليته التاريخية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (بند واحد في المادة الرابعة)، واتفاق باريس لتغير المناخ (الفقرة الثالثة من الديباجة)، وحذرت من أنه إذا فشلت الدول الغنية في وضع المزيد من الأموال على الطاولة، فإن العالم سيخفق في تحقيق هدفه المتعلق بالمناخ. موضحة أن نظام باريس مبني على الاعتراف بأن «البعض يتحمل مسؤولية أكبر والبعض الآخر يعاني المزيد من العواقب، ولن تتحقق العدالة المناخية والحال هذه إلا من خلال وفاء الدول الغنية بالتزاماتها التمويلية. وهي لذلك لا تتوقع وفاء الدول الغربية بوعودها الخاصة بتعبئة 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 قبل عام 2023.

في العام الماضي في جلاسجو، طالبت الدول النامية بتوفير تسهيلات تمويلية لمساعدة ضحايا الجفاف والفيضانات والعواصف وارتفاع مستوى سطح البحر، على التعافي. لكن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي منعتا تمرير هذا الطلب، واضطرت الدول النامية لإحالة الموضوع، كالعادة، إلى «طاولة الحوار». وهو حوار (فخ تفاوضي) سوف يطول ويستمر لغاية عام 2024 على الأقل، تكون الدول الهشة مناخياً حينها قد أضحت في مهب تلك الظواهر المناخية المتطرفة والمتسارعة.

لقد ظلت الدول الغربية ترفض مراراً وتكراراً تحمل مسؤوليتها التاريخية في التسبب في أزمة المناخ، وتحديداً فيما خص مسألة تمويل الخسائر والأضرار المناخية، واستمرت تماطل طوال العقود الثلاثة الأخيرة بشأن هذه القضية المناخية البالغة الحساسية بالنسبة للدول النامية، لاسيما منها الجزرية والشاطئية. فكيف سيكون عليه الوضع في مؤتمر الأطراف المقبل في شرم الشيخ، حيث يُتوقع أن تهيمن هذه القضية على مفاوضات المؤتمر؟ ذلك أنه سوف يكون من الصعب إقناع الدول النامية الهشة مناخياً بسهولة، بالعودة إلى ديارها خالية الوفاض مرة أخرى.

لما كان ذلك، فإنه لا مناص أمام الدول النامية، أينما تواجدت في المجموعات التفاوضية المختلفة، من الإصرار في مؤتمر الأطراف المقبل في شرم الشيخ على تثبيت قضية التمويل على رأس جدول أعمال المؤتمر، ويجب مواجهة الاتحاد الأوروبي وأمريكا بعدم جدوى الحديث عن خفض الانبعاثات والتهويل من عدم الالتزامات الجمعية بتنفيذ هذا الشق من حزمة اتفاق باريس.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"