عادي

الصورة.. تسرق واقعنا الحقيقي

23:24 مساء
قراءة 3 دقائق
4

القاهرة: «الخليج»
نالت الصورة اهتماماً كبيراً من جانب الفلاسفة، بداية من أفلاطون حتى الوقت الراهن، ولعل أبرز الأمثلة على هذا الاهتمام في الفكر المعاصر، هو ما نجده لدى كل من ريجيه دوبريه، وجان بودريار، فقد اهتم دوبريه بتناول الصورة بوصفها وسيطاً معرفياً، وبيان كيف تطور ذلك الوسيط عبر العصور، التي قسمها إلى ثلاثة عصور: عصر الكلمة، وعصر الطباعة، وعصر التقنيات السمعية البصرية، ويتميز كل عصر من هذه العصور باختراع محدد، هو بمنزلة النموذج الوسائطي للعصر الذي ظهر فيه.

أما جان بودريار فقد انصبّ تحليله على مفهوم الصورة في عصر ما بعد الحداثة، وما أحدثته من تأثير على الصعُد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنه اهتم بتحليل وقائع مهمة، مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما أنه اهتم بتحليل الصورة الفنية وتأثيرها على الواقع المعاصر، ومن ثم فقد اهتم الفيلسوفان بمفهوم الصورة، فبينما يحلل دوبريه الصورة بوصفها وسيطاً، أكد بودريار على طغيان ذلك الوسيط على كل أطراف الاتصال، بحيث أصبحت الصورة، لا تعبر عن شيء سوى ذاتها.

وقد جاءت هذه الدراسة وعنوانها «مفهوم الصورة بين الوسائطية والواقع الافتراضي في الفكر الفرنسي المعاصر» لمحمد ماهر عمران، كمحاولة معنية بالمقارنة والتحليل لما قدمه كل من دوبريه وبودريار، من نتاج فكري وفلسفي حول مفهوم الصورة، فالأول سعى لتوضيح الدور الذي لعبته الصورة منذ فجر التاريخ إلى وقتنا الحاضر، وهو في هذا التناول يركز على الدور الوسائطي الذي لعبته الصورة، بوصفها وسيطاً معرفياً، تم من خلاله نقل المعرفة والثقافة، عبر الزمان والمكان، فالأفكار لا تنتقل من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، دون وسيط، لكن تحتاج إلى وسيط تنتقل من خلاله.

أما جان بودريار فإن مشروعه الفكري المتعلق بالصورة، يتمحور حول مفهوم الصورة، فالصورة توسطت العلاقة بين الإنسان وعالمه، وتدخلت في طريقة تمثل الإنسان للأحداث، التي تحدث في الواقع، ما أدى إلى ضياع أي تصور حقيقي عن العالم، فما تقدمه الصورة هو الأساس الإبستمولوجي الذي تقوم عليه تصورات الإنسان، ومن ثم تسنّى للصورة أن تنشئ عالمها الخاص بها وحدها، والذي لا يمت إلى الواقع الحقيقي بأية صلة، وبما أن الإنسان لا يمتلك أي استراتيجية لدحض ما تقدمه الصورة أو نقده، فإن الواقع الحقيقي قد ذهب بلا رجعة.

يوضح الكتاب أن دوبريه عني عناية كبيرة بمفهوم الوسائطية، وتتبع في كتاباته تطور ذلك المفهوم مع تطور الإنسانية منذ عصور ما قبل الميلاد إلى الوقت الحاضر، فالصورة برمزيتها كانت من أولى وسائل الإنسان في التعبير والتواصل، بل إن الصورة كانت وسيلة الإنسان الأولى في الكتابة، فرسوم إنسان العصر الحجري على جدران الكهوف لها دلالة رمزية أكثر من الدلالة الجمالية.

أما بودريار فقد عني عناية شديدة بوسيط الشاشة، وما له من تأثير في نقل الأحداث والتلاعب بها، ومن ثم يمكننا تتبع القدرة التأثيرية التي باتت الصورة تمارسها على الواقع، فيعتبر عصرنا بحق هو عصر الصورة، فالصورة هي التي توجهه وتسيطر عليه، فمثلاً التلفزيون يلعب دوراً في التأثير على المشاهدين، من خلال قدرته على التحكم في رؤيتهم للعالم المحيط بهم، ومن ثم إعادة تشكيل قناعاتهم على النحو الذي يدفعهم إلى اتخاذ مواقف وقرارات بعينها، فيما يتعلق بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وعلينا أن نتذكر أحداثاً قريبة مثل صور الهجوم على برجي التجارة العالمي في نيويورك، وصور سقوط تمثال صدام حسين في قلب بغداد، وصور القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، وصور تعذيب المساجين في سجن أبو غريب، وصور لوحات مثل الموناليزا لدافنشي، والجيرنيكا لبيكاسو، والصرخة لإدوارد مونج، وغيرها من الصور التي فاق تأثيرها في الوعي البشري ملايين الكلمات.

جاءت هذه الدراسة لتحليل ومقارنة آراء كل من ريجيه دوبريه، وجان بودريار، في تناولهما لمفهوم الصورة، والكشف عن المفاهيم الفلسفية التي أسّسا عليها مواقفهما، وتكتسب الدراسة أهميتها من المكانة الكبيرة التي احتلتها الصورة في الواقع المعاصر؛ حيث أصبحت الوسيلة الأولى في التواصل الإنساني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"