تركيا بين روسيا و«الناتو»

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

خرجت قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» التي انعقدت في مدريد أواخر الشهر الماضي بقرارين مهمين يمكن أن يتركا أثراً سلبياً على العلاقات بين تركيا وروسيا.

 الأول هو موافقة تركيا وبالتالي الحلف على انضمام السويد وفنلندا إليه. وجاء طلب انضمام الدولتين كنتيجة مباشرة للحرب بين روسيا وأوكرانيا واستشعار السويد وفنلندا ب «الخطر» الروسي عليهما. ولكن الضغوط الغربية، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة، كانت في أساس توجه البلدين لطلب الانضمام لما يشكله ذلك من توسيع الطوق الأطلسي على روسيا.

 وفي الأساس كان الهجوم الروسي على أوكرانيا بسبب حلف الناتو تحديداً الذي أراد أن يتغلغل في العمق الروسي من خلال محاولة ضم أوكرانيا إليه. ولو حصل ذلك لكانت أوكرانيا جغرافياً مثل الخنجر المشكوك في الداخل الروسي. ومن هنا كان كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن أوكرانيا كانت جزءاً من الفضاء والثقافة والحضارة الروسية، ولا يمكن أن تصبح تابعة لفضاء حضاري آخر.

 تخلي تركيا عن رفضها انضمام السويد وفنلندا مقابل تخلي هاتين الدولتين عن دعمهما لحزب العمال الكردستاني كما لقوات الحماية الكردية في سوريا، كان له الدور الحاسم في توسيع الناتو وإحكام الكماشة الأطلسية على روسيا من الشمال. ولا شك أن قرار قمة الناتو ووجه بانزعاج وغضب روسي من تركيا التي كان يمكن لها أن تناور وتؤجل اتخاذ القرار المناسب عدة أشهر، لو أنها كانت تريد مراعاة هواجس جارتها روسيا.

 الذريعة التركية من أنها حصلت على مكاسب من السويد وفنلندا فيما خص تشديد معركتها ضد حزب العمال الكردستاني يمكن أن تكون مقبولة لو أن هذا الثمن الصغير بحجم الهدف الكبير الذي حققه حلف الناتو بضم السويد وفنلندا. لكن أظهرت الوقائع أن السبب الحقيقي لتراجع تركيا عن استخدام حق النقض (الفيتو) هو تهديد مباشر من الرئيس الأمريكي جو بايدن لأردوغان قبل اتفاق مدريد الثلاثي بين تركيا والسويد وفنلندا من أن «عواقب الغزو الروسي على تركيا نفسها ستكون وخيمة». 

لذا وافقت تركيا، وكان ثمن الموافقة هزيلاً، بل غير مؤكد التزام السويد وفنلندا به.

 الغضب الروسي من موقف تركيا من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو تواصل مع إقرار الحلف الوثيقة الاستراتيجية الخاصة به، والتي تصنف روسيا تحديداً على أنها «الخطر الأكبر» على الحلف. 

ربما تأتي الموافقة التركية هنا من باب رفع العتب، وحيث إن أحداً لن يلزم تركيا بتطبيق ما يمكن أن يتوافق عليه أعضاء الحلف ضد روسيا. ففي السنوات الأخيرة وصلت العلاقات بين تركيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى ذروات من التوتر بسبب تزوّد تركيا بصواريخ «إس 400» الروسية وتوطيد تركيا الشراكات الاقتصادية مع روسيا. كما أن تركيا لم تشارك بالعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية. وإذا كانت أنقرة اتبعت حتى الآن سياسة الحياد النسبي تجاه الحرب الأوكرانية، فإن موافقتها على اعتبار روسيا «الخطر الأكبر» على الحلف لا يثير ارتياح موسكو، خصوصاً في ظل العلاقات القوية بين البلدين على مختلف الصعد. فروسيا تخشى أن تكون المواقف التركية الجديدة بداية لمواقف أكثر سلبية. 

 ومع أنه من المبكر، بل من المستبعد، أن تعود أنقرة بالكامل إلى الحضن الغربي، وتتحول إلى رأس حربة أطلسية ضد روسيا، فإن حاجة أردوغان إلى الدعم الغربي لتخفيف الأزمة الاقتصادية في تركيا، كبيرة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا، بعد أقل من عام، خصوصاً أن استطلاعات الرأي ترجّح خسارة أردوغان موقعه الرئاسي. علماً أن الغرب يبدو غير قادر (وغير راغب) على انتشال تركيا من أزماتها، لأن هذا الغرب نفسه غارق في أزماته ويحتاج لمن ينقذه.

 القلق الروسي في محله، والحاجة التركية للغرب في محلها، لكن المصالح التركية تقتضي حتى الآن أن تكون على الحياد، إلى حين اتضاح الصورة التي على ما يبدو ستبقى مبهمة إلى وقت طويل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"