زيلنيسكي لم ينقذ جونسون

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
بعد شيء من المكابرة رضخ رئيس الوزراء البريطائي، بوريس جونسون، لضغوط حزبه، حين استقال وزراء من حكومته ونواب من حزبه، وتعالت الأصوات من النواب المحافظين بسرعة رحيله. في بلد مثل بريطانيا على رئيس الحزب، خاصة إذا كان في الحكم، أن ينصاع لحزبه، وليس العكس.. لذا لم يكن أمام جونسون مهرب من الاستقالة من رئاسة الحزب تمهيداً لاستقالته من رئاسة الحكومة.
في بداية الأمر تذرع جونسون بما حظي به من تفويض شعبي غير مسبوق في انتخابات العام 2019؛  ثم نجاته من تصويت على سحب الثقة به قبل نحو عام، كي يبقى في منصبه، متجاهلاً المطالبات المتزايدة برحيله، ولكن لم يمكن لهذه المكابرة أن تصمد طويلاً، فخرج في مؤتمر صحفي ليعلن تخليه عن «أفضل وظيفة في العالم».
ومع أن جونسون أقرّ بأنه في السياسة، «ليس هناك من لا غنى عنه»، وسيجد الحزب من يدير الأمور بدلاً عنه، والأرجح بصورة أفضل منه، لكنه حاول التباهي بما يعتبرها منجزات حققها منذ تولي منصبه، معدداً إياها في: إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واستجابة الحكومة ل«كوفيد- 19»، وطرح برنامج اللقاح، وأخيراً تبجح بقيادة «الجهود الغربية للوقوف في وجه اعتداء بوتين على أوكرانيا».
ولو وضعنا في الميزان ما يعتبره جونسون إنجازات حققها، فسنجد أن أقواله لا تتمتع بالصدقية الكافية، فما زالت صحة قرار بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي موضع الشك وعدم اليقين، خاصة مع تزايد الشقة بينها وبين حلفائها الأوروبيين، وعدم انعكاس ذلك في تحسن يعتدّ به في الأوضاع المعيشية في بريطانيا، أما التباهي بنجاحه في مواجهة «كوفيد– 19» فأمر تضعفه الحقائق، فهو كان من أكثر الزعماء خفة في التعامل مع الوباء في بداياته، وخرج على الناس داعياً إياهم أن يهيئوا أنفسهم لفقدان الكثير من أحبتهم، ومنحازاً لما عرف يومها ب«مناعة القطيع» كبديل للإجراءات الاحترازية، ولم يدرك خطورة الأمر إلا بعد إصابته هو شخصياً بالفيروس، ونقله إلى العناية المركزة.
يبقى التفاخر بالوقوف إلى جانب أوكرانيا؛ حيث كثرت زياراته الاستعراضية لعاصمتها، والتقاط الصور مع رئيسها في شوارع كييف، وكان طبيعياً أن يكون الأخير أكبر الحزانى لرحيل جونسون، فيما بدا الروس، الذين وصفوه بالمهرج، أكبر الشامتين. محللون كثر يرون أن أزمة أوكرانيا كانت ملاذاً لجونسون للهروب من سلسلة الفضائح التي تلاحقه داخلياً، لكن الملاذ زيلنيسكي لم ينقذه من السقوط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"