سليمان جودة
أبى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلا أن يجعل من احتفال عيد استقلال بلاده هذه السنة احتفالين، أحدهما كان بمرور ستين سنة على استقلال البلاد، والثاني كان بلقاء جمع بدعوة منه، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
التقى عباس وهنية على أرض الجزائر التي كانت تحتفل في الخامس من هذا الشهر، بانقضاء ستة عقود من الزمان على خروج المحتل الفرنسي منها. ولا بد أن جمع الرجلين على طاولة واحدة في هذه الظروف الدولية والعربية، سوف يظل يُحسب لبلد المليون شهيد، وسوف يظل خطوة في طريق أن يكون الفلسطينيون صوتاً واحداً، لا صوتين: صوت في الضفة الغربية وآخر في غزة.
وليس سراً أن قمة عربية أمريكية ستجمع الرئيس الأمريكي جو بايدن في جدة مع قادة دول الخليج الست، والرئيس المصري، والعاهل الأردني، ورئيس وزراء العراق.
القمة ستنعقد في السادس عشر من هذا الشهر، ويسبقها في يوم 15 لقاء يجمع بايدن مع خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وهي قمة يجري الإعداد لها عربياً منذ الإعلان عنها قبل نحو أسبوعين، لتكون قمة عربية أمريكية في القلب من قضايا المنطقة، وفي القلب من هواجس أبناء المنطقة.
وربما يلاحظ كل متابع لأحوال منطقتنا وما يجري فيها، أن درجة لافتة من الحيوية السياسية قد دبت في أنحائها منذ الإعلان عن الزيارة ومنذ تحديد موعدها، والهدف بالطبع أن تكون زيارة مفيدة للعرب كما يجب، وأن ينتبه صانع القرار الأمريكي في واشنطن، إلى أن سيد البيت الأبيض إذا كان قد جاء يبحث فيما يخص بلاده من قضايا، فهذا حقه بالطبع، غير أن عليه أن يلتفت في الوقت نفسه إلى أن للمنطقة ولأهلها قضايا أيضاً، وأنها قضايا لا بد من وضعها في الحسبان، ولا بديل عن وضعها في الاعتبار.
ومن بين هذه القضايا، وربما في المقدمة منها، قضية فلسطين التي لا تزال تبحث عن حل عادل، وشامل، ونهائي، ومستند في مجمله إلى مبدأ شهير اسمه حل الدولتين.
ولأنها كذلك.. فالرئيس الأمريكي سيزور تل أبيب، وسيلتقي هناك رئيس حكومة تسيير الأعمال يائير ليبيد، وسينتقل من هناك الى رام الله حيث يلتقي أبو مازن، وسيكون في الحالتين متحدثاً في قضية أمن إسرائيل بالذات، وهي قضية تجدها على رأس اهتمامات كل رئيس دخل البيت الأبيض، من أول الرئيس هاري ترومان، الذي قامت الدولة العبرية في عهده عام 1948، إلى الرئيس الحالي جو بايدن، وإلى كل رئيس أمريكي سوف يأتي في المستقبل.
وهذا المعنى على وجه التحديد، هو ما كانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد أشارت إليه في 15 مايو(أيار) 1948، عندما أصدرت ملحقاً خاصاً عن ذكرى مرور نصف قرن على قيام إسرائيل.
والفكرة هنا أن يدرك بايدن حين يزور تل أبيب ومن بعدها رام الله، أنه لا أحد في المنطقة ضد ما جاء هو يتحدث فيه عن أمن إسرائيل، ولكن بشرط أن يعرف أن أمنها مرتبط في أساسه بمسألة قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
ولهذا يكتسب لقاء عباس وهنية أهميته الخاصة في مثل هذا الظرف، لأنه ليس من الممكن أن يذهب الفلسطينيون إلى الحديث مع بايدن عن دولة فلسطينية مستقلة، وعن عاصمة لها في القدس الشرقية، بينما هُم منقسمون بين الضفة وغزة.
البداية في الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي عاصمتها، تنطلق من عند الفلسطينيين أنفسهم، وكل خطوة أخرى إنما تأتي تالية لوحدة الصوت الفلسطيني في الضفة وغزة معاً.. لا سابقة على ذلك بأي حال.