الأثرياء والجياع

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

تقريران متزامنان مرّا على وكالات الأنباء، كل منهما نقيض الآخر، الأول أصدرته الأمم المتحدة ويتحدث عن كارثة تلوح في الأفق بسبب زيادة الجوع في العالم، والآخر بثته مجلة «تشالنج» يؤكد زيادة الأصول التراكمية لأغنى 500 ثري في فرنسا بنسبة 5 % في عام واحد لتتجاوز تريليون يورو، هذا التقرير ذكّر بدراسة أصدرتها مجموعة «بوسطن كونسالتنغ غروب» في 2021 أشار إلى أن أصول الأثرياء على المستوى العالمي زادت بنسبة 10.3% إلى 473 تريليون دولار رغم جائحة «كورونا».

 هذه التقارير التي صدرت عن منظمات ومراكز معتبرة، تشير إلى أن ثمة خللاً كبيراً في توزيع الثروات، فالفقراء يزدادون فقراً ويكتوون بنيران الحروب والهزات العالمية كالجائحة الفيروسية، ويذوقون ويلات تبعاتها، بينما الأغنياء يزدادون غنى بثروات طائلة كفيلة بإطعام الجياع لسنوات مقبلة، والمساهمة في تنمية اقتصادات دول، وانتشال مئات الملايين من براثن الموت جراء نقص الغذاء.

 وكالات أممية قالت إن مستويات الجوع في العالم زادت مرة أخرى العام الماضي، بعد ارتفاعها في عام 2020 بسبب «كورونا»، حيث رفعت حرب أوكرانيا وتغير المناخ منسوب المجاعة والهجرة الجماعية على «نطاق غير مسبوق» منذ العام 2020. تقرير الأمم المتحدة للأمن الغذائي والتغذية أكد أن ما يصل إلى 828 مليون شخص، أي حوالي 10 % من سكان العالم، تأثروا بالجوع العام الماضي، بزيادة قدرها 46 مليون نسمة عن عام 2020، ونحو 150 مليون شخص عن عام 2019.

 منظمة الأغذية العالمية بدورها، حذرت من ارتفاع الأرقام خلال أشهر قليلة ودخول بلدان كاملة إلى المجاعة، بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة الناجم عن الحرب الروسية-الأوكرانية، ما يعني أن العالم برمته يتجه إلى عدم الاستقرار، بل إن المنظمة دقت ناقوس الخطر، عندما أشارت إلى أن هدف الأمم المتحدة المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030 بات بعيداً أكثر فأكثر، كما رسمت صورة قاتمة على أن المستقبل القريب قد لا يكون في صالح الفقراء مع توالي الصدمات الاقتصادية.

 مع هذه الأرقام المبدئية، والتي قد تكون بحقيقة الأمر أكبر من ذلك بكثير، توضح اعوجاجاً في السياسات المالية العالمية برمتها، إذ إن إفلات الحكومات الحبل على الغارب للأثرياء بالتحكم بالأسواق، واكتناز المزيد من المقدرات، من دون وجود قوانين تحدّ من ذلك، وتعمل على توزيع الأموال بطرق عادلة تصل إلى مستحقيها، قد تضاعف المأساة، لذا فإن صرخة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس التي طالبت الحكومات بدراسة فرض ضريبة على الأغنياء الذين جنوا أموالاً أثناء الجائحة، تنتظر أن تجد آذاناً صاغية لدى المجتمع الدولي الذي يتعامى عن هذا التفاوت المروّع بين من لا يجد قوت يومه، وبين من يضاعف الأرقام في البنوك.

 العالم لا بد له من وضع أسس اقتصادية قويمة، تكون أكثر عدالة، تعطي كل ذي حق حقه من دون ابتذال أو إسراف، وإلا فإن الهزات الحالية ستكون قزمة أمام ما سيكون من انهيارات تضع الجميع على حافة الهاوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"