عادي
قناديل إماراتية

عبدالرضا السجواني.. الحياة داخل قصة

22:44 مساء
قراءة 4 دقائق
5

علاء الدين محمود

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«أنا أعيش في القصة».. هكذا تحدث القاص عبد الرضا السجواني المولع بالحكاية والعاشق للسرد، الذي يستدعي ذاكرة قديمة وينسج من تفاصيلها حكايات عن الزمن الجميل الذي عاشه ولايزال ينتمي إليه، فالكتابة عن الماضي تتفجر جمالياتها في نص السجواني، فهو يشتغل في مشروعه السردي على ذاكرة المكان بصورة أكثر خصوصية، فالنشأة الأولى تكاد تكون هي المسؤولة عن التوجه الجمالي عند السجواني، خاصة مرحلة طفولته وصباه في منطقة المريجة في الشارقة القديمة، حيث البحر وعوالمه الساحرة، والبساطة والحياة الاجتماعية التقليدية التي تعلي من شأن قيم التراحم والترابط.

كان والد السجواني يعمل في تجارة الغليون، بينما كان لوالدته تأثيرها الحاسم والكبير لتوجّهه نحو عالم الأدب، حيث كانت ملمّة بتاريخ وتراث الإمارات، وكانت تقص عليه الحكايات القديمة التي رسخت في ذهنه، وشكلت وجدانه؛ لذلك دخل كاتبنا عالم السرد باكراً منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، فلا عجب أن تكون أولى إصداراته القصصية حملت اسم «ذلك الزمان» عام 1978، ويتحدث فيها بحب شديد عن فترة الطفولة والصبا، حيث الشارقة بأزقتها وشوارعها ورائحتها الخاصة التي شكّلت وجدانه الجمالي، وعطّرت نصوصه السردية.

كفاح

السرد عند السجواني يحمل ملامح البيئة وينتمي إليها، ولعل حكاية علاقة المؤلف بالكتابة الإبداعية هي رواية في حد ذاتها، ففي ذلك الوقت من سبعينات القرن الماضي، لم تكن الظروف مهيئة بصورة جيدة لممارسة تلك الهواية القاسية، حيث الحر الشديد، وانقطاع الكهرباء، لكن الإرادة والتصميم كانت شعار السجواني الذي عمل لمدة عامين متواصلين في إنجاز مجموعته السردية الأولى؛ بل كانت تلك الظروف وقسوتها هي المادة والقماشة التي نسج منها الكاتب تفاصيل القصص والحكايات، فقد كان عاشقاً للحكي، وربما ذلك ما جعله يقول: «القصة هي حياتي وعالمي الخاص، بها أتنفس وأعيش، لم أجد نفسي خارجها في يوم ما، سواء كتبت أم لم أكتب».

«تلك الأيام»

قصص السجواني ورواياته تحمل تحمل ثيمات الشوق والحنين، بعكس هذا العصر المتسارع الذي ينتج شخصيات قلقة، ومتوترة، وضائعة، وربما ذلك ما جعل السجواني يتناول ذلك القلق الإنساني في الحياة الحديثة في عدة أعمال، حيث تطل عوالمها على الواقع الراهن، وكذلك يتحدث في نصوصه عن أثر العمالة الوافدة في المجتمع، ويبرز القضايا الجديدة وأثرها في الشخصية الإماراتية، وتتميز أعماله بالحس الإنساني، فهي تدعو إلى ضرورة الترابط بين الناس، والحفاظ على العادات الفاضلة والقيم النبيلة، غير أن كاتبنا لا ينغلق على المواضيع الاجتماعية فقط، فقد تناول كذلك، الشواغل الوطنية، والقضايا القومية، والتحديات التي تواجه الإنسان العربي.

وفاء

وعلى الرغم من تغير الحياة عبر حركة التحديث الكبيرة وثورة التقنيات والمعلومات، فإن السجواني لايزال وفياً لتلك العوالم القديمة التي شكّلت وجدانه، حتى في آخر أعماله، وهي الرواية التي تحمل اسم «تيتانك الأحلام»، وتحكي عن سفينة احترقت وغرقت عام 1961 واستقرت في قاع الخليج العربي، وبلغ عدد ضحاياها 238 راكباً من رجال ونساء وأطفال، وقد ظلت دموع الألم والحسرة ترافقه طوال فترة كتابة العمل، فقد أمضى في تلك التجربة قرابة 7 أعوام، قضاها في البحث والكتابة وسافر خلالها إلى دول ومدن وجالس تجاراً؛ بل تتملّكه حالة شديدة من العناد من أجل إنجاز العمل الذي يحكي عن قصة حقيقية، خاصة أن الكاتب فَقد أعزاء في تلك السفينة «دارا»، الأمر الذي جعله يكتب بصدقية شديدة.

تحسس السجواني معاناة الناس البسطاء في مجتمع متغير، ومنفتح على العالم، ولعل ذلك ما جعله يصف كتابته بالإنسانية التي تعتمد ما أسماه طريقة «الفلاش باك»؛ أي الالتفاتة إلى الماضي داخل نص يتناول الواقع، حيث إن للكاتب قناعة راسخة بأن البعد الإنساني والروحي هو الذي يكسب العمل الروائي قيمته، وكثيراً ما يضرب المثل برواية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، «الأمير الثائر» التي يعتبرها من أجمل الروايات وتحمل معاني القوة، والقيم الفاضلة عبر «الأمير»، القادم من عصر مضى، وبالتالي فإن هذه الأعمال التي تتخذ من التاريخ موضوعاً تأتي مشحونة بالحس الإنساني الذي يكسب العمل القصصي والروائي فرادة خاصة.

الكاتب الزاهد

على الرغم من أن السجواني يعتبر من رواد القصة القصيرة وأدب السرد في الإمارات، فإنه عُرف بالزهد في الأضواء، فهو يؤثر الانزواء ليتابع عن بُعد المشهد الثقافي والسردي في الإمارات، وهو يرى أن الأجواء اليوم ما عادت تساعد على الإبداع، كما أن الكتابة صارت متعجلة، وتبحث عن النشر السريع، بعكس ما كان في السابق، حيث كانت الكتابة متأنية، كما أن الحياة نفسها كانت تسير على مهل.

ولئن كان السجواني قد برع في مجال القصة والرواية الناضجة، فهو كذلك قد تفرّد في مجال الكتابة للأطفال، وهو يعتبر أيضاً أبرز روادها الذين وظفوا الموروث الشعبي وتسويق القيم الأخلاقية الفاضلة عبر نصوص حكايات الأطفال.

إضاءة

ولد عبد الرضا السجواني في عام 1959 في الشارقة، وهو حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة الإمارات، عام 1981، مؤسس إدارة العلاقات العامة والإعلام التربوي في وزارة التربية والتعليم، منذ عام 1981، عضو مؤسس في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وشارك في تأسيس وتحرير مجلتي «شؤون أدبية» و«دراسات»، وله العديد من المجموعات القصصية مثل: «ذلك الزمان»، و«الرفض»، و«انحدار»، و«هاتف الشمس»، ونال العديد من الجوائز الأدبية.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"