عادي
تبلورت مناهجه عام 1879

علم النفس يخرج من قبضة الفلسفة

22:35 مساء
قراءة 3 دقائق
4

القاهرة: «الخليج»
استشراف المستقبل يعد من الأمور بالغة التعقيد، لكنها على أية حال ليست عملية مستحيلة؛ إذ إن ذلك يقتضي ضرورة الإلمام الواعي والجاد بقراءة الماضي، وفهم جيد ومتعمق للحاضر وآفاقه، ومن خلال ذلك يمكن الحديث عن المستقبل واستشرافه.

وعلم النفس من العلوم الإنسانية التي تدرس دهاليز النفس، وتحاول جاهدة فض مجاهل النفس، ومنذ أن وجدت عبارة «اعرف نفسك» وقد اتخذها علم النفس شعاراً، وعلى الرغم من ذلك لا نستطيع تأكيد تحقيق هذا الشعار في أرض الواقع، نظراً لتعقّد وتشابك النفس الإنسانية.

ليس أهم من أن يفهم الشخص نفسه، حتى يستطيع أن يتطور ويطور من قدراته، من خلال تطوير مهاراته وإمكاناته في هذا الزمن، الذي يحتاج إلى مهارات ذهنية ويدوية، وبأسلوب بسيط بعيد كل البعد عن تعقيدات النظريات والمصطلحات العلمية، يقدم د. محمد حسن غانم في كتابه «استشراف مستقبل علم النفس»، علماً من العلوم الإنسانية.

ويوضح الكتاب أن علم النفس من العلوم التي لا تقتصر على المشتغلين بها فقط، لكنها تتعدى المتخصصين إلى كل فرد يريد أن يسبر أغوار النفس البشرية، فيفهم من وما حوله بشكل علمي.

تعريفات

ويشتمل الكتاب على تعريفات عدة لعلم النفس ومدارسه المختلفة، متنقلاً بينها بخفة وسلاسة، حيث يقدم المؤلف العديد من المصطلحات، متبوعة بأهم التساؤلات، مع نبذة تاريخية لبدايات علم النفس، وتوضيح التطور الحادث على مر العصور، حتى وصلنا إلى العصر الحديث، مع إطلالة مهمة على المستقبل.

ولم يبخل المؤلف على القارئ بتقديم العديد من الفئات المختلفة، وخص المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، وكان للأسرة نصيب الأسد، فقد أعطى جزءاً كبيراً من اهتمامه للأسرة، كما سلط الضوء على فئة المسنين، فتركيبة المجتمع تنذر بأن التوزيع السكاني يتجه إلى اتساع في شريحة الشيخوخة.

ويتفق جمهرة من علماء النفس على اعتبار عام 1879 هو تاريخ انفصال علم النفس واستقلاله عن الفلسفة؛ لأنه في هذا التاريخ تم إنشاء أول معمل لعلم النفس في جامعة ليبزج في ألمانيا، فعلم النفس كان فرعاً من فروع الفلسفة قبل الميلاد بزمن طويل، وبعض فلاسفة الإغريق ذهبوا إلى أن الروح مادة كالهواء، لكنها بلغت حداً كبيراً من الرقة، وكان الخلط كبيراً بين الروح والنفس والعقل.

وجاء أفلاطون فقال إن لأفكار الإنسان تأثيراً كبيراً في سلوكه، لكنه كان يرى هذه الأفكار لها وجود مستقل عن الإنسان، فهي تقيم في الجسم أثناء الحياة، ثم تتركه عند الموت، وخطا علم النفس خطوة كبرى في الاتجاه العلمي، حين أشار أرسطو إلى أن الروح أو النفس هي مجموع الوظائف الحيوية لدى الكائن الحي؛ أي وظائف الجسم، وبها يتميز عن الجماد، ومن دونها لا يكون الجسم أكثر من جثة.

وترتب على ما سبق أنه لم يعد من الضروري البحث عن تفاسير للسلوك والحالات النفسية، خارج نطاق الإنسان، وتمت صياغة قوانين في تداعي المعاني، سادت علم النفس أكثر من عشرة قرون، لذا يمكن اعتبار أرسطو المؤسس الأول لعلم النفس، وانتقلت بعد ذلك التعاليم الأساسية لأرسطو إلى الفلاسفة العرب والمدرسين، وهم مفكرو العصور الوسطى من الأوروبيين، فظل هؤلاء جميعاً يجادلون ويقبلون القضايا الفلسفية عن طبيعة النفس، وعن مصير الإنسان، حتى أعياهم الأمر، فانقسموا إلى فريقين: فريق اختص بدراسة الروحانيات، وهؤلاء هم رجال الدين، والثاني اختص بدراسة الظواهر العقلية وهؤلاء هم الفلاسفة أو علماء النفس، فكانت هذه أول بادرة لانفصال علم النفس عن علم الإلهيات، فبعد أن كان علم الروح أصبح علم العقل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"