جونسون وإشكالية السلطة

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

حتى اللحظات الأخيرة قبل أن ينحني للضغوط ويقرر تقديم استقالته من زعامة حزب المحافظين البريطاني، كان بوريس جونسون لا يتخيل إمكانية تخليه عن السلطة، أو إسقاطه على هذا النحو المريع، لاقتناعه بأنه صاحب الحق المطلق في التربع على سدة الحكم.

منشأ هذه القناعة هو التفويض الشعبي الواسع الذي حظي به في انتخابات عام 2019، والذي مكنه من تنفيذ خطة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «البريكست»، ليتحول بعد ذلك إلى بطل هذا الخروج، ويكرس نفسه الزعيم الأوحد لدى البريطانيين. ولم يكن لديه أوهام حول ذلك، حتى أنه قبل أيام قليلة من إسقاطه أعلن في مقابلة صحفية بأنه سيبقى في الحكم حتى منتصف الثلاثينات. وعلى هذه الخلفية كان جونسون يعتقد أن البريطانيين سيغفرون له كل الأخطاء التي يرتكبها، وبالتالي رفض كل الدعوات التي طالبت باستقالته بسبب فضائح الحفلات أو ما عرف باسم «بارتي غيت»، وخرقه للقوانين في أوج انتشار جائحة كورونا. وأيضاً رفض دعوات أعضاء حزبه له بالتنحي عن زعامة الحزب بعد خسارته أهم معاقله الإنتخابية في انتخابات فرعية للمجالس المحلية، متعهداً العمل على استعادة هذه المعاقل وبعضها كان الحزب يسيطر عليها تاريخياً.

وزاد من عناد جونسون وتمسكه بالسلطة، نجاته من اقتراع على الثقة داخل كتلة المحافظين البرلمانية، وتولد لديه اعتقاد خاطئ بأن قواعد الحزب الأساسية لا تسمح بإجراء اقتراع آخر على الثقة قبل عام، من دون أن يأخذ في الاعتبار مسألتين، الأولى أنه خسر ثقة أكثر من 40 في المئة من أعضاء حزبه، والثانية أن هناك وسائل أخرى قد يلجأ اليها أعضاء الحزب لاطاحته. وهو ما حدث بالفعل حيث فوجئ باستقالات فردية وجماعية منسقة من قبل أعضاء حكومته وفريقه الحكومي، ولم يعد الإصرار على التمسك بالسلطة يجدي نفعاً، في ظل هذا العدد الكبير من الاستقالات التي بلغت نحو 60 استقالة، وفي ظل استطلاعات سريعة للرأي كشفت عن أغلبية في داخل حزبه وأخرى أغلبية بريطانية تطالب برحيله.

وحقيقة الأمر، أن جونسون كان يركن إلى مسألتين مهمتين أيضاً، الأولى ضعف خصومه السياسيين سواء داخل حزب المحافظين أو خارجه في الساحة البريطانية عموماً، والثانية، اعتقاده الخاطئ بأن تشدده اللافت في الأزمة الأوكرانية وحماسه الشديد لدعم أوكرانيا وفرض أقسى العقوبات على روسيا، ومناهضة مواقفها سيجعل البريطانيين يغفرون له كل فضائحه وأخطائه، ولكن البريطانيين لم يفعلوا ذلك، بسبب إصراره، فوق كل ذلك، على تجاهل الرأي العام، وتعيين مسؤولين بعضهم متهم بالفساد المالي والأخلاقي، وهو يعلم مسبقاً عن هذا الفساد وفق ما تحدثت بعض التقارير.

بهذا المعنى، فإن جونسون هو الذي أطاح بنفسه قبل أي شيء آخر، بسبب الأخطاء واستخفافه بالخصوم وعدم الاكتراث بالرأي العام، خلافاً لرئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي التي كان جونسون وزيراً عندها ومن أشد المتحمسين لإطاحتها، لكنه الآن يتجرع من الكأس نفسها التي تجرعت منها وإن اختلفت الأسباب في الحالتين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"