نحو فحص ثقافي شامل

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

هل في إمكان العقل العربي فتح الباب لهذه الفكرة؟ لا حرج عليه إذا رآها لا معقولة، ولكنه تحلى بحِلم معن بن زائدة وأفسح لها الدرب. ما العجب في أن نصطحب الثقافة إلى مصحّة ثقافية ليخضعوها لفحص شامل؟ سيصرخ أحدهم: وهل في الأرض شيء كهذا؟ هي ذي المأساة. ماذا تقول في قوم لا يضعون ثقافتهم على المحك؟ هم يرون فيها الكمال. صدق المتنبي: «ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً.. كنقص القادرين على التمامِ».
عجباً، لماذا نظن أن الثقافة براء من الأدواء؟ من الآفات، من الانجرافات، من الانحرافات، فلا وجود للثقافة من دون الناس، لا وجود للثقافة من دون الميراث الثقافي الذي صنعه آدميون، وكل هؤلاء بشر، فيهم الأصحّاء وفيهم ذوو العلل. الثقافة هي العالم، هي الحياة. ثقافة الشعوب المتخلفة متخلفة قطعاً أو غالباً، وثقافة الشعوب المتقدمة ليست متقدمة بالضرورة. في أكثر المدنيّات تقدّماً ألوان من التخلّف لا يمكن أن تراها لدى أشدّ المجتمعات بدائية. في بعض أدعياء الحضارة صفات تتبّرأ منها السباع. لا يوجد حيوان مفترس يقول عن مقتل خمسمئة ألف طفل: «الغاية تستحق ذلك»، باللهجة اللبنانية: «الشغلة حرزانة».
قد يكون فحص الثقافة غريباً إلى حدّ ما. مثلاً: الفحوص تبحث عادة عن داء موجود. ضغط، سكري، حصى الكلى إلخ... في الثقافة قد تبحث عن سبب عدم وجود شيء ما، مثلاً: لماذا لا ينمو البحث العلمي في بلدان ما؟ لماذا ينفر مجتمع بشري ما من الفلسفة؟ ما دواعي عدم تطوير الموسيقى وجذور سوء سمعتها؟ ما خلفيات الخلط بين الشعر والإنشاء؟ ما علّة اختلاط القدرات البلاغية بقيمة الأفكار؟ هل حين يقول الشاعر أو الكاتب كلاماً فيه بلاغة أخّاذة، يكون ذلك دليلاً قاطعاً على أنه يقول أشياء مهمة ذات قيمة؟ في هذا الإطار، يجب أن يعيد العقلاء ذوو الفهم والحصافة، النظر في كل ما جاء في دواوين الشعر العربي، خصوصاً لدى كبار الشعراء البلغاء، من طراز أبي الطيب وأبي تمام، وأخص من ذلك الشعر الجاهلي بقضه وقضيضه، فذلك تراث يحتاج إلى غربلة عصريّة، إذا كانت لدينا إرادة تدريس الميراث الثقافي بروح جديرة بالعصر والحضارة الإنسانية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفحصيّة: الثقافة ليست سوى البشر، فإذا كان الناس نسبيين، فإن الثقافة هي الأخرى نسبيّة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"