السيارة الكهربائية في الميزان

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد الصياد *

جاء في دراسة نشرتها صحيفة «The Times» البريطانية أواخر 2020، أن السيارات الكهربائية أكثر اخضراراً من البنزين فقط بعد أن تقطع 50000 ميل، وإن معظم بطاريات السيارات الكهربائية تتمتع بضمان حتى حوالي 100000 ميل. كما أن هذه البطاريات تتكون من الكوبالت الذي غالباً ما يتم تعدينه عن طريق تدمير الطبيعة في الكونغو باستخدام عمالة الأطفال بأسلوب السخرة؛ وإن صنع سيارة كهربائية يولد المزيد من الاحتباس الحراري نتيجة لانبعاثات الغازات الدفيئة؛ وإن ذلك يرجع أساساً إلى حزمة مكونات البطارية والمواد الأخرى الداخلة في صناعة السيارة الكهربائية. ويقال أيضاً أن تصنيع سيارة كهربائية «Polestar 2» (سيارة كهربائية من انتاج شركة فولفو السويدية و«جيلي» الصينية)، يشكل 24 طناً من ثاني أكسيد الكربون (CO2).

وهناك من يروج إلى أن سيارة «تيسلا» الكهربائية التي تزن حوالي 454 كيلوغراماً، تحتاج إلى استخراج آلاف الكيلوغرامات من المواد اللازمة لتصنيعها. وهذا يعني أنه خلال الثلاثين سنة المقبلة، ستكون هناك حاجة إلى استخراج المزيد من الخامات المعدنية أكثر مما استخرجه البشر على مدار السبعين ألف سنة الماضية، والتسبب بالتالي في أضرار أكثر مما يجلبه ما يسمى الغسل أو التبييض الأخضر «Greenwashing».

وهناك من يقول أيضاً، إن التحول من السيارات التي تعمل بالجازولين إلى السيارات الكهربائية، سيقلل من استهلاك البنزين، لكنه سيزيد استهلاكه في جوانب أخرى. لذا تذهب مغالاة البعض إلى القول إن الحل لا يكمن في تحول الجميع إلى السيارة الكهربائية وإنما في قيادة أقل للسيارة.

طبعاً المدافعون عن السيارات الكهربائية سارعوا إلى التشكيك في نتائج دراسة «التايمز»، قائلين إنها مؤسسة على معلومات وبيانات صادرة من الشركات المنتجة للسيارات التي تعمل بالبنزين.

على مقلب آخر نجد رأياً آخر مضاداً تماماً لاستبدال البنزين بالبطارية الكهربائية، يطرحه أحد المحسوبين على التيار المحافظ في الحزب الجمهوري الأمريكي المشكك في صحة قضية المناخ، وهو ألكسندر جوزيف إبستين، الكاتب والمعلق الأمريكي المدافع عن الوقود الأحفوري. فهو يصر على أهمية الوقود الأحفوري للدول النامية على وجه الخصوص. وقد نشر عدة كتب كرسها لهذا المذهب الذي وصل حد التطرف حين كتب في عام 1999، مقالاً في صحيفة ديوك ريفيو، وهي صحيفة جامعية محافظة، بأن الدول الإفريقية أدنى من الغرب، ما عرّضه لانتقادات واسعة واتهامات وصمته بالعنصرية. وقد عمل بعض الصحفيين الاستقصائيين على توثيق المقال وإعادة نشره في صحيفة «واشنطن بوست» في إبريل 2022، لإعادة التعريض به والتذكير بانحيازاته العنصرية. لكن إبستين رد على تلك الانتقادات ونفى تحيزه العنصري، لكنه مع ذلك عاد وأكد أن «الثقافة الغربية متفوقة بشكل عام». وما زالت مؤلفاته حول موضوع الوقود الأحفوري تثير الصخب واستفزاز لوبيات المناخ. ومنها خصوصاً كتابه «الحالة الأخلاقية للوقود الأحفوري» (The Moral Case for Fossil Fuels)، الذي نشره عام 2014، وكتاب «المستقبل الأحفوري: لماذا يتطلب الازدهار البشري العالمي المزيد من النفط والفحم والغاز الطبيعي» (الذي نشره عام 2022؛ حيث دافع عن استخدام الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي)، وشكّك في الإجماع العلمي لتغير المناخ ودرجة تأثير الإنسان على هذه الظاهرة.

منذ «الثورة المناخية» (إن جاز التعبير)، والوقود الأحفوري أضحى هدفاً لتشريعات لا نهاية لها هدفها النهائي منع البشر من استخدامه. يشمل ذلك خطوط الأنابيب والتصاريح الملغاة، والضرائب المتصاعدة، والضوابط التنظيمية المعدة للتضييق على نشاط شركات الوقود الأحفوري. بموازاة ذلك تحظى الطاقة الخضراء بالإعانات والمنح الهائلة واللوائح والتشريعات الميسرة. لقد ولت الأيام التي كانت فيها شركات النفط العالمية الكبرى (International Oil Companies - IOC)، تهيمن على الشريحة العظمى من «خراج» الدورة الاقتصادية العالمية (أرباحها). واختفت أسماء مليارديراتها من قائمة «فوربس» لأثرياء العالم؛ حيث حلت مكانهم مليارديرات شركات الخدمات المالية وشركات التكنولوجيا. قد تكون «إكسون موبيل» الأمريكية، أكبر شركة خاصة في قطاع الطاقة العالمي. لكن قيمتها السوقية البالغة حوالي 250 مليار دولار، لا تداني القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا مثل «أمازون» و«أبل» و«ألفابت» و«مايكروسوفت» التي تزيد قيمتها على ثمانية إلى عشرة أضعاف قيمة «اكسون موبيل». ومع أن شركات النفط هي التي تدير محركات الاقتصاد العالمي بكليته، مقارنة بشركات الخدمات المالية والتكنولوجية التي لا تنتمي إلى ما يسمى الاقتصاد الحقيقي، فإنها هي التي تحصد كل هذا العداء من جانب لوبيات المناخ في الغرب.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"