بطلان دعوى محاربة الوقود الأحفوري

22:19 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

لطالما كررنا أنه من غير الموضوعي ولا الواقعي تنظيم هذه الحملة الشعواء بصورة ممنهجة ضد الوقود الأحفوري، من جانب قوى معروفة في بلدان الاتحاد الأوروبي، خصوصاً، وكذلك الولايات المتحدة، في إطار أجندة خاصة بتلك القوى مرتبطة بشبكة مصالح اقتصادية. وقد جاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، وهما يحملان خططاً للتخلص من الوقود الأحفوري تماماً، وتنصيب مصادر الطاقات المتجددة مكانه. وقد «ابتكرت» مستشارة نائبة الرئيس كامالا هاريس، ايمي بارنز، لشؤون المناخ، بالفعل ما أسمته «شعار معاكسة أوبك إنتاجاً»، معتبرة أنه قد آن الأوان لاستهداف الدول المنتجة للفحم والنفط والغاز، ليس من خلال دالة الطلب فقط، وإنما، وعلى نحو خاص، من خلال دالة العرض.

ومع ذلك، لا يزال حرق الوقود الأحفوري يؤمِّن 84% من طاقة العالم، ومن بين الأوجه الثلاثة الرئيسية لاستهلاك الطاقة: التدفئة والنقل والكهرباء، يعتمد الأخير (استهلاك الكهرباء) بشكل أقل على الوقود الأحفوري؛ لكن حتى هنا، يمثل الوقود الأحفوري 63% من استهلاك الكهرباء في جميع أنحاء العالم، وكانت النسبة 62% في عام 1990، وهذا يعني أنه على أساس نسبي، كان للمبادرات الخضراء تأثير ضئيل، وإن كان على مستوى الأرقام الفعلية، لديها بالطبع تأثير، لأن العالم صار يستهلك كهرباء أكثر بكثير مما كان يستهلكه في ذلك الوقت.

واليوم، فإن العالم بحاجة إلى المزيد من الطاقة الموثوقة ومنخفضة الكلفة. ولا يزال بأمسّ الحاجة، كما دلت تجربة السنتين الماضيتين وتجربة أزمة الطاقة الحالية، إلى الوقود الأحفوري، حيث يجري استهلاكه على نطاق واسع، حتى في صناعات إنتاج بطاريات ومكونات السيارة الكهربائية. فكثيراً ما كان الوقود الأحفوري، المصدر النهائي الذي يتم حرقه في مكان ما.

لذلك يقول أنصار الوقود الأحفوري، إنه بدلاً من مهاجمته والعمل على تعطيله، لماذا لا يتجه العمل لاستهلاكه بشكل أفضل، وبطريقة أقل ضرراً، وأكثر نظافة وكفاءة؟ أما إذا استمر المناوئون للوقود الأحفوري في هجومهم عليه لإخراجه من معادلة الطاقة العالمية، فلسوف تذهب أسعاره، وخاصة النفط، في اتجاه واحد فقط، هو الاتجاه الصعودي، ما سيجعل حياة الملايين في العالم أكثر صعوبة وكلفة، خاصة بالنسبة للدول المنكشفة طاقوياً، التي تستورد جلّ حاجتها من مصادر الطاقة من الخارج.

ومعلوم أن بعض كوادر طاقم إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومعهم بعض أعضاء الطاقم العامل مع نائبته، كامالا هاريس، يتعاونون مع بعض الجهات والأفراد المعروفين بعدائهم وانحيازهم السافر ضد الوقود الأحفوري، لاسيما النفط، من أجل إعداد تقارير ودراسات موجهة سلفاً من أجل زيادة تركيز الضغط على منتجي الوقود الأحفوري لمصلحة الشركات والمؤسسات العاملة في قطاع الطاقات المتجددة وتكنولوجياتها التي تصوت لهم. وقد تعاونوا، كمثال، مع «جريج موتيت» (Greg Muttitt)، الخبير في قضايا المناخ ذات الصلة بتأثيرات مصادر الوقود الأحفوري، ومع كبير الاستشاريين في مؤسسة

«Oil Change International» التي تتخذ من لندن مقراً لها، و«سيفان كارثا» (Sivan Kartha)، كبير العلماء في معهد ستوكهولم للبيئة، اللذين أنشآ إطاراً نظرياً لما أسمياه «التدهور المُدار للوقود الأحفوري»، ونشراه في مقالة في «مجلة سياسة المناخ» (Climate Policy journal). وقد ضمّنا نموذجهما خمسة مبادئ توجيهية، من بينها تقليص عمليات استخراج الوقود الأحفوري، بما يتماشى مع مستوى درجة الحرارة التي استهدفتها المادة الثانية من اتفاق باريس للمناخ ( 1.5 درجة مئوية)، وتسريع هذه العملية حيثما تكون التكاليف الاجتماعية للقيام بذلك، أقل؛ وتقاسم تكاليف الانتقال بشكل عادل (يقصدون الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقات المتجددة)، وفقاً لما اعتبروه «القدرة على تحمل هذه التكاليف». والآن، ما الذي سيقوله هؤلاء بعد أن قضت المحكمة الأمريكية العليا يوم الخميس 30 يونيو/ حزيران 2022 بعدم اختصاص وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، لوضع معايير انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لمحطات الطاقة الحالية التي تعمل بالفحم؛ مقررة في حكمها أن هذه من سلطات الكونجرس حصراً. القرار يشكل ضربة قاسية لأجندة إدارة بايدن المناخية، لاسيما هدف التخلص من انبعاثات الكربون من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول عام 2035، وخفض انبعاثات أمريكا إلى النصف بحلول عام 2100.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال الموافقة على ما يذهب إليه المغالون في دفاعهم عن الوقود الأحفوري مثل اليميني المتطرف ألكسندر جوزيف إبستين، لحد تبرئة النشاط البشري من مسؤولية خلق وتركيز الانبعاثات. لكن في المقابل، ليس من الحكمة بمكان شطب أهم عنصر من عناصر ماكينة الاقتصاد العالمي ودورته النشطة بالطريقة المستخفة التي يعرضها المناخيون الأوروبيون المتطرفون.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"