نموذج آبي لمحور الهندو باسيفيكي

22:18 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي*

كانت نهاية شينزو آبي رئيس وزراء اليابان السابق صادمة إثر وفاته بإطلاق النار عليه في جريمة نادرة الحدوث في اليابان، دانتها المؤسسة السياسية بوصفها هجوماً على الديمقراطية نفسها. و كان آبي رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ اليابان (2006- 2007) ثم (2012- 2020). وأول رئيس لوزراء اليابان يولد بعد الحرب العالمية الثانية. وأصغر رئيس وزراء في اليابان بعد الحرب إثر توليه منصبه عام (2006). وكان آبي شخصية مميزة على المستوى العالمي. وعلى الرغم من استقالته عام 2020 لأسباب صحية فقد استمر صاحب نفوذ كبير في الحزب الحاكم الليبرالي الديمقراطي وعندما أطلق عليه الرصاص كان يخطب في تجمع انتخابي لصالح مرشحي حزبه قبل يومين من انتخابات مجلس الشيوخ أو مجلس المستشارين للمساعدة في حصول حزبه على أغلبية مريحة؛ حيث يتكون البرلمان الياباني من غرفتين: مجلس الشيوخ أو مجلس المستشارين، ومجلس النواب أو مجلس الممثلين. ويجب بالأساس أن تتم الموافقة على التشريعات من قبل المجلسين لكي تتحول إلى قوانين، وذلك إثر فوز الائتلاف الحاكم بأغلبية مريحة في انتخابات مجلس النواب في شهر أكتوبر 2021.

وكان آبي أكثر رجل دولة ياباني معروف على نطاق عالمي منذ نهاية الحرب سنة 1945؛ حيث كان يتمتع بصفات عديدة فهو الرجل الذي جعل اليابان أقوى وأكثر استقلالية فيما يتعلق بشؤون الدفاع والسياسة الخارجية.

وارتبط اسم الراحل بتعبير - الإندوباسيفيك - وهو التعبير المشير إلى الدول المشاطئة للمحيطَيْن الهادئ والهندي، والتي تعتبر وحدة جيو- اقتصادية واستراتيجية متكاملة، وتشمل هذه المنطقة قرابة 42 دولة من جميع قارات العالم، باستثناء أوروبا.

وآبي أول من استخدم هذا المصطلح عام 2007 في إطار حديثه عن «آسيا الموسعة». فقبل شهر من إنهاء فترة ولايته الأولى رئيساً لوزراء اليابان عام 2007، ألقى شينزو آبي كلمة أمام البرلمان في نيودلهي. وتحدث آبي عن «التقاء البحرين»، قاصداً بذلك المحيطين الهندي والهادئ، اللذين يشهدان «المزج الحيوي لبحري الحرية والرخاء». وفي اليوم الذي عاد فيه آبي، إلى السلطة عام 2012، كتب رئيس الوزراء الياباني عمود رأي أكد فيه على فكرته بشأن (الهندو- هادئ)، مشيراً إلى أن ديمقراطيات المنطقة بحاجة إلى إلزام نفسها ب «الحفاظ على الصالح العام»، وبعد حديث آبي عام 2007 انتقل التعبير إلى قاموس الدبلوماسية الأمريكية على يد وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، واستخدمه الرئيس السابق ترامب عند الإشارة إلى المصالح الأمريكية في هذه المنطقة. ثم عادت إدارة بايدن لاستخدام المفهوم عبر ما أطلقت عليه استراتيجيتها تجاه آسيا.

وفي ظل «نموذج آبي»، استثمرت اليابان بقوة في البنية التحتية في المنطقة مباشرة، ومن خلال بنك التنمية الآسيوي. وتجد كثير من البلدان المتعطشة للنمو صعوبة في جذب التمويل الغربي ولديها هواجس بشأن علاقات الاستثمار الصيني. وحصيلة اليابان الكبيرة من المدخرات القابلة للاستثمار محورية في الطموحات التنموية لهذه الدول. ويرى عديد المحللين أن منطقة الإندوباسيفيك تحتاج إلى استمرار مشروع آبي المحوري.

وكان لآبي دوره المحوري في إنشاء المجموعة الرباعية (كواد) الذي دعا إليه عام 2007، في سياق استمرار مفهوم التحالفات والمحاور بعد انتهاء الحرب الباردة؛ حيث ثبت، أنه لا علاقة بين مفهوم المحاور والحرب الباردة. فالمحاور والأحلاف الدولية وجدت تاريخياً قبل الحرب الباردة بقرون طويلة، واستمرت خلال تلك الحرب وبعدها. والحديث عن انتفاء الحاجة إلى المحاور والأحلاف ما بعد الحرب الباردة ثبت أنه حديث غير صائب وآية ذلك استمرار حلف الأطلسي في حقبة ما بعد الحرب الباردة؛ بل وتوسعه ليشمل دولاً جديدة، وإصرار الدول الأعضاء على أن يضطلع الحلف بوظائف خارج نطاق اختصاصه الإقليمي؛ بل وإعلان الحلف تمسكه بامتلاك الأسلحة النووية. ومن هنا كان لآبي دوره البارز في توقيع مجموعة «الكواد»، التي تضم أمريكا، والهند واليابان وأستراليا. ويتفق غالبية المحللين والمراقبين الدوليين بشكل عام أنه ومع انتقال جوهر الاستراتيجية الأمريكية نحو آسيا والباسيفيك تبرز جوهرية اليابان وأستراليا بالأساس؛ حيث شبه وزير الدفاع الأمريكي السابق كلاً من أستراليا واليابان بالحصن الشمالي والجنوبي في منطقة آسيا، وهو تجمع يضع مخاوفه إزاء استراتيجية الصين الآسيوية في جوهر اهتماماته، فعلى الرغم من أنه هناك اختلاف في الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلى التحدي الصيني، فبينما يركز الرئيس الأمريكي بايدن، ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، على أن العلاقة بين البلدين هي «علاقة تنافس»، فإن وسائل الإعلام ومسؤولي الأجهزة الاستخباراتية والبنتاغون الأمريكي عادة ما يصفون العلاقة ب«الصراع»، وأياً كان التعبير المستخدم، فإن الصين هي الدولة الأولى التي ترصد أمريكا تحركاتها وأفعالها، ليس فقط تجاه واشنطن وإنما تجاه كل دول العالم.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"