عادي

أوكرانيا.. الإنهاك ومخاض الحل

23:29 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

التصعيد الذي يحرص كل طرف في الحرب الأوكرانية عليه ظاهرياً، قد لا يكون ممكناً عملياً في المستقبل غير البعيد، لأسباب تبدو موضوعية وملزمة للطرفين، وفي مقدمتها استنزاف القوى عسكرياً، وتضعضع القوى اللوجستية الذي يظهر تأثيره في تماسك الحلفاء الغربيين تحت وطأة الأزمات التي نتجت عن التصعيد، خاصة أزمة الطاقة والغذاء.

بعد مسيرة بطيئة ودموية عبر لوهانسك، والاستيلاء على مدينة ليسيتشانسك، قد يعتبر الرئيس الروسي نفسه في منتصف الطريق نحو الهدف.

لكن الحرب وصلت إلى مفترق طرق آخر، والمقاتلون من كلا الجانبين يجهزون أنفسهم للمرحلة الثالثة من القتال التي قد تشهد إنجازاً يقلب ميزان الصراع. ويتوقع المحللون أن تكون الخطوة التالية للروس هي التوجه إلى دونيتسك، والتي إذا تم الاستيلاء عليها ستفي بالهدف الأساسي للكرملين، وهو اجتياح منطقة دونباس بأكملها في شرقي أوكرانيا.

لكن من غير الواضح متى، وكيف يحدث ذلك. ففي حين واصلت روسيا الضربات الجوية المكثفة على جبهات مختلفة في أوكرانيا، يبدو أن القوات البرية الروسية في منتصف فترة توقف عملياتية للراحة، وإعادة التشكيل.

هذه الاستراحة الروسية قد تمنح الجيش الأوكراني وقتاً للاستعداد للدفاع عن أجزاء لا يزال يحتفظ بها من دونيتسك؛ بشكل رئيسي الحزام الصناعي الذي يمتد جنوباً من مدينة سلوفيانسك، ولا يزال التهديد بشن هجمات مضادة أوكرانية في أماكن أخرى من البلاد، بما في ذلك مدينة خيرسون الجنوبية الاستراتيجية، قائماً.

قد لا تكون المرحلة التالية من القتال الشامل، عندما تندلع، هي الأخيرة. لكنها قد تحدد مستقبل منطقة قلب أوكرانيا، وسوف تقطع شوطاً كبيراً في تحديد نتائج الحرب.

ومن المرجح أن تستمر القوات الروسية في حصر نشاطها في العمليات الهجومية على نطاق صغير، بينما تعيد بناء القوات وتهيئ الظروف لشن هجوم أكبر في الأسابيع، أو الأشهر المقبلة.

وتبدو فوائد بعض أشكال التهدئة لكلا الجيشين واضحة؛ حيث تحتاج القوات الروسية إلى التعافي، في حين أن الجيش الأوكراني في سباق مع الزمن لتلقي المعدات الغربية، وتسليمها، والتدريب عليها.

الكابوس اللوجستي

ولا يزال الأوكرانيون يراهنون على التطور النوعي في الأسلحة التي تصلهم من الغرب، والتي بدأت مزاياها تظهر في طبيعة القوة النارية. وفي الأسابيع الأخيرة، استعادت أوكرانيا جزيرة الأفعى، وحققت بعض النجاح في الهجمات المضادة بالقرب من خيرسون، جنوبي أوكرانيا.

وبعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على بدء الحرب، تواجه أوكرانيا مشاكل متعددة، لعل أكثرها حساسية في الوقت الراهن مشكلة الأسلحة الغربية عالية التقنية التي تصل إلى البلاد، وتعتمد عليها بشدة، ولا يزال المسؤولون يطلبون المزيد منها في كل فرصة سانحة. لكن وصول خليط من أنظمة القتال المختلفة من عشرات البلدان يوفر للجيش الأوكراني شريان حياة وصداع في وقت واحد.

ولدى القادة العسكريين نوع من الكابوس اللوجستي؛ فهم يحصلون على أصناف مختلفة من العتاد لا تتوفر لها الذخيرة المناسبة، فضلاً عن نقص التدريب وخبرات الصيانة. وبمجرد وصول الأسلحة إلى الخطوط الأمامية تتطلب سلسلة إمداد معقدة يجب تعليم الجنود كيفية استخدامها. وهذا ما يضطر الجنود للسفر إلى خارج البلاد حيث هناك المئات منهم في بريطانيا وألمانيا يتلقون التدريب.

وإذا تكررت وتيرة الحركة الروسية عبر لوهانسك في دونيتسك، فسوف تمتد الحرب خلال فصلي الخريف والشتاء، حيث بدأ بعض المحللين بتقييم الآثار طويلة المدى التي تترتب على استمرار القتال. وليس من المؤكد أن الروس سوف يوقفون الحرب إذا ما سيطروا على دونباس بكاملها.

وفي حال تطلعهم إلى ما وراء حدود دونباس، فقد يقررون الدفع باتجاه ضفاف نهر دنيبرو، الذي يقسم أوكرانيا من الشمال إلى الجنوب. وهذا يعني الاستيلاء على نصف البلاد، وهي خطوة من شأنها أن ترعب الغرب وتطيل الحرب.

على أبواب كارثة اقتصادية

ولدى أوكرانيا كارثة اقتصادية محتملة تلوح في الأفق، لكونها سوف تستمر في الاعتماد على الدعم المالي الغربي، فضلاً عن المساعدات العسكرية، حيث تلاشت القدرة على الاستيراد والتصدير عبر البحر الأسود، وتقلص إنتاجها المحلي من الحبوب بشدة هذا العام. و توقع البنك الدولي في إبريل/ نيسان الماضي انكماش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 45٪ هذا العام.

في ظل هذه المعطيات، صار من الطبيعي أن تتطلع العديد من الدول الغربية إلى مفاوضات السلام من أجل الخروج من مآزق متعددة، وضمان استمرار تدفق الطاقة، شريان الحياة. وقد ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها، مجدداً، على الحاجة إلى تسوية تفاوضية لإنهاء الحرب في الأسابيع الأخيرة.

وهناك مساع مستمرة وإن كانت خجولة حتى الآن، للبحث عن مخرج. ولا تزال تركيا التي تستضيف حالياً وفدين، روسياً وأمريكياً، للبحث في آفاق الحل الدبلوماسي من نافذة تسهيل صادرات الحبوب، تأمل في أن تنجح في إحداث اختراق، بينما يزور وفد برلماني عالمي كييف للغرض نفسه في جولة وساطة تشمل موسكو أيضاً. وقد أخبر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قادة مجموعة السبع الشهر الماضي أنه يريد إنهاء الحرب في شهور وليس سنوات. وقال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي بعد قمة السبع «إنه يعتقد أن الصراع الطاحن ليس في مصلحة الشعب الأوكراني».

في الجانب الآخر من الصورة تتكثف جهود رص الصفوف لدى الطرفين. فالرئيس الأمريكي لا يكاد يجد يوما للراحة وهو يحضر ويستعد ويشارك في اجتماعات قمم متتالية، كلها تصب في خانة التحشيد لمواجهة الخطر الروسي، ويرى المحللون أن زيارته للشرق الأوسط لا تخرج عن هذا الهدف، خاصة أن أزمة الطاقة التي تضغط على شركائه الأوروبيين، ربما يجد لها متنفساً في تحفيز دول المنطقة المنتجة للنفط على زيادة إنتاجها.

وفي الوقت نفسه تشكل طهران التي يزورها الرئيس الروسي، هذا الأسبوع، في إطار جهود موازية للمسعى الأمريكي، محطة استراتيجية مهمة في الإطار نفسه، سواء لجهة أهمية نفطها في حلحلة أزمة أسواق الطاقة، أو لجهة تسوية ملفها النووي، ما قد يجعلها أقل حدة في عدائها للغرب، وتحالفها مع موسكو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"