عادي

تركيا تدق طبول «درع الخريف»

23:33 مساء
قراءة 4 دقائق

د. نورهان الشيخ *

منذ إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 23 مايو، عزم أنقرة شن عملية عسكرية جديدة في سوريا بهدف إقامة منطقة آمنة ومكافحة ما اعتبره تهديدات إرهابية، وعلى مدى ما يقرب من الشهرين تثور التساؤلات حول بدء العملية ودخولها حيز التنفيذ.

تشير معطيات عدة إلى أن العملية العسكرية التركية وإن تأخرت فإنها قادمة. أولها، حرص تركيا الشديد على المضي قدماً في تنفيذ العملية، فإقامة منطقة آمنة داخل سوريا يعتبر هدفاً استراتيجياً لأنقرة تكرر التأكيد عليه، وذلك منذ أن أعلنته أنقرة لأول مرة في مايو/أيار 2013 وعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمن، ومن المفترض أن تمتد المنطقة على الحدود مع تركيا بعرض لا يقل عن 430 كيلومتراً وعمق يصل إلى 30 كيلومتراً. وقد اتخذت تركيا خطوات مهمة نحو هذا الهدف تضمنت شن أربع عمليات عسكرية، أي أنها تقترب من هدفها خطوة خطوة أو قضمة قضمة، وتعتبر العملية القادمة واحدة ضمن سلسلة بدأت في أغسطس/آب 2016 بعملية «درع الفرات» واحتلت خلالها تركيا المنطقة الواقعة في مثلث جرابلس– أعزاز– الباب. الثانية «غصن الزيتون» في يناير/كانون الثاني 2018 واحتلت كل منطقة عفرين المحاذية للواء الإسكندرون. الثالثة «نبع السلام» في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسيطرت تركيا عبرها على مناطق واسعة شرق الفرات بين تل الأبيض ورأس العين. أما الرابعة فهي «درع الربيع» في الأول من مارس/آذار 2020 وكانت أقل حجماً من سابقاتها، وموجهة ضد القوات السورية في إدلب بشمال غربي سوريا، رداً على هجمات كبدت تركيا خسائر فادحة في 27 فبراير/شياط، وانتهت باتفاقية 5 مارس/آذار بين موسكو وأنقرة.

إصرار تركي

أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في 10 يوليو/تموز إن أنقرة لن تتخلى عن العملية العسكرية المخطط لها في شمالي سوريا، ولن تؤجلها. وأشار الممثل الرسمي للرئيس التركي، إبراهيم قالين، إلى أن أنقرة مستعدة لعملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا، يمكن أن تبدأ في أي لحظة. وتم رصد مواصلة نقل تركيا لقوات إضافية إلى منطقة عمليتها المقبلة ضد المقاتلين الأكراد بشمالي سوريا.

يمكن تفسير هذا الإصرار التركي في ضوء الضغوط التي يثيرها اللجوء السوري في تركيا من توترات اجتماعية واقتصادية مع المجتمع التركي أثرت سلباً في شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم. وتستضيف تركيا نحو 3.7 مليون لاجئ سوري، ويدعو عدد من أحزاب المعارضة التركية باستمرار إلى إعادتهم قسراً إلى سوريا، وهو ما يعارضه الرئيس رجب طيب أردوغان، ويجد في توطينهم في المنطقة الآمنة مخرجاً ملائماً، وفرصة لزيادة شعبيته في الداخل بسحب أهم ورقة من يد المعارضة (ورقة اللاجئين) في المعركة الانتخابية الرئاسية القادمة في يونيو/حزيران المقبل. هذا إلى جانب الحد مما تعتبره أنقرة تهديدات إرهابية بإبعاد الجماعات الكردية عن حدودها، والتغطية على الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وخسارة العملة التركية لقيمتها، وارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير غير مسبوق.

تهيئة المسرح

إضافة إلى الظرف الدولي المواتي، وإمكانية أن تغض القوى الدولية الفاعلة الطرف عن العملية التركية. وقد أشار أردوغان إلى أن العملية ستبدأ فور انتهاء القوات المسلحة والاستخباراتية والأمنية من استعداداتها للعملية وإجراء المحادثات اللازمة لضمان سير الأمور على ما يرام، أي عقب نجاحه في تهيئة المسرح الدولي لتقبل العملية خاصة من جانب الولايات المتحدة وروسيا. فالولايات المتحدة هي صاحبة الحضور القوي شرق الفرات فيما يُعرف بالمنطقة الحمراء، كما أن منبج، غرب الفرات، والمعروفة بالمنطقة الرمادية يسري بشأنها اتفاق أمريكي تركي يضمن إخراج الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني وتسيير دوريات مشتركة فيها. أما تل رفعت أو ما يُعرف بالمنطقة الخضراء فإنها تخضع لنفوذ روسي إيراني سوري، وعززت روسيا من وجودها في المنطقة عقب الإعلان عن العملية التركية. ومن المتوقع أن تركز العملية التركية على خطوط التماس في ثلاثة محاور شرق الفرات ومنبج وتل رفعت.

صحيح أن الولايات المتحدة حذرت تركيا من شن أي عملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا، وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في اليوم التالي لإعلان أردوغان عن العملية، إلى أن الولايات المتحدة «قلقة للغاية» إزاء هذا الإعلان وتدين أي تصعيد، وتؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة. وأكد برايس إدراك واشنطن للمخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، إلا أن أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرض القوات الأمريكية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم «داعش» للخطر.

المساومة مع أمريكا

إلا أن خبرة التعامل مع واشنطن توضح أن كل شيء قابل للتفاهم والمساومة. ففي خضم المواجهة الأمريكية الروسية الدائرة تحرص الولايات المتحدة على جذب تركيا بعيداً عن روسيا، وأن يظل الموقف التركي عند نقطة ما متوازنة على أقل تقدير. هذا إلى جانب حاجتها لقبول أنقرة انضمام كل من فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي والامتناع عن فيتو تركي يعرقل خطط واشنطن الاستراتيجية في هذا الصدد.

من ناحية أخرى، تمتلك أنقرة أوراق مساومة مع موسكو في ضوء المعطيات السياسية التي فرضتها الأزمة الأوكرانية؛ حيث تبدو روسيا حريصة على الاحتفاظ بالموقف التركي من الأزمة عند درجة ما من التوازن أيضاً، فعلى الرغم من أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، فإنها لم تنخرط في نظام العقوبات الذي تقوده واشنطن ضد روسيا، واستمرت في تعاونها مع موسكو بما في ذلك استيراد الطاقة؛ بل وأخذت خطوات للتعامل بالعملات الوطنية واعتمدت بطاقة «مير» الروسية النظيرة ل«فيزا كارد»، وقامت أنقرة بجهود وساطة بين موسكو وكييف. كما ترغب موسكو في فتح مضيقي البوسفور والدردنيل في تركيا أمام السفن العسكرية الروسية المتجهة إلى البحر المتوسط والعائدة منه، وقد ترى موسكو أن العملية التركية ربما تدفع الأكراد إلى الدخول في حوار جاد مع دمشق، والاتفاق على كيفية تنظيم العيش في دولة واحدة، والاتفاق على صيغة تحفظ وحدة سوريا وشعبها. في ضوء الاعتبارات السابقة وميل تركيا إلى فرض الأمر الواقع في سياستها، ومواصلة التعزيزات والحشود من جانبها على الحدود الجنوبية، فإن العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا من المرجح أن تبدأ متى التقطت أنقرة الإشارات المنتظرة خاصة من واشنطن.

* أستاذة العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"