عادي

خلافات العلماء..متى تكون رحمة وسعة؟

22:47 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
في كل المجتمعات الإسلامية جدل لا يتوقف حول خلافات علماء الدين، حيث يراها البعض مظهراً من مظاهر التفرق وتفتيت وحدة المسلمين، وعدم جمعهم على هدف واحد، بينما يراها البعض الآخر مظهراً من مظاهر السعة والمرونة التي تتميز بها الشريعة الإسلامية. أين الحقيقة وسط هذين الرأيين؟ وكيف تتعامل الجماهير مع خلافات واجتهادات العلماء؟ ومتى يستفتي الإنسان قلبه ليعمل بما يستريح له ضميره؟

يقول د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق: أهم ما يميز الشريعة الإسلامية هو أنها مرنة تتجاوب مع كل أحداث الحياة المتجددة، وتلبي حاجات المسلمين في كل عصر وفي كل مكان. شريعة تراعي مصالح الإنسان، وتقوم على اليسر والسماحة، ولذلك جاءت معظم أحكامها متغيرة وفقاً لما تقتضيه مصلحة الإنسان والمجتمع. ومن هنا شاعت في تراثنا الفقهي مقولة «اختلاف الفقهاء رحمة»، وهي في إطارها الشرعي الصحيح رحمة وسعة، وواجب علماء الشريعة وفقهاء الإسلام في كل العصور أن يستفيدوا من تجاوب الشريعة الإسلامية مع كل أحداث الحياة، وأن يسجلوا عملياً أروع صور الحوار، والاجتهاد الفقهي والفكري، وأن تتعدد آراؤهم واجتهاداتهم، وأن يثروا الحياة الفقهية والفكرية باجتهادات تنير طريق الهداية للمسلمين، وتحضهم على إعمال عقولهم لخدمة دينهم وأمتهم.

ويوضح أن اجتهادات فقهاء المسلمين وخلافاتهم الفقهية ليست مظهراً للضعف، كما يتوهم البعض، وليست أداة لتفريق وحدة المسلمين؛ بل هي مصدر للقوة والتميز؛ إذ تجسد مرونة وسعة الإسلام لكل أحداث الحياة المتجددة.

فكل ما هو مطلوب، وفق واصل، أن يجتهد العلماء المؤهلون وليس الأدعياء.

الصورة

اختلاف العقول والأفهام

وعن أسباب اختلاف الفقهاء في كل العصور حول قضايا دينية عديدة، يقول د. نصر فريد واصل: مصدر الدين شرعه الله تعالى لعباده في نصوص، ولابد من أن يختلف الناس في فهمها، وهذا طبيعي، فالناس يختلفون ما بين حرفي يُعنى بظاهر اللفظ، وآخر يُعنى بروح النص، وهذا موجود حتى في شراح القوانين الوضعية، ووجد هذان الفريقان منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فحينما قال بعد غزوة الأحزاب: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة»، اختلف الصحابة في ذلك حين دنا الغروب، فقال بعضهم: إنما أراد منا سرعة النهوض، وآخرون قالوا: لا.. لقد قال الرسول صلى الله عليه سلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة» فنحن لا نصليها إلا في بني قريظة، ولو بعد الغروب (وصلوها بعده)، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فلم يعنف أحداً من الفريقين إقراراً منه للاجتهاد.

ولا يرى أن هذا الاختلاف في فهم النصوص الدينية والتعامل معها يعيب الشريعة الإسلامية، ذلك أن الاختلاف في الفروع «ضرورة ورحمة وسعة»، موضحاً أنه من رحمة الله بالمسلمين أنه لم يضيق عليهم في فهم وتطبيق النصوص؛ بل جعل متسعاً للآراء وللأفهام المختلفة، وما يصلح لبيئة قد لا يصلح لأخرى، وما يصلح لزمن قد لا يصلح لآخر، وكان بعض الصحابة يفتي في القضية برأي، ثم يرجع عنه.

ضوابط

يقول د. حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في الأزهر: من سنة الله في خلقه وكونه أن جعل أحداث الحياة لا تنتهي، ووقائعها لا تكف عن التجدد والحركة، واختلاف الأفكار والعقول والمقاصد والغايات بين الناس أمر واقع في كل زمان ومكان. وما دام الأمر كذلك، فلابد أن يوجد الاجتهاد في الأحكام الشرعية، فهذا يرى أن مسألة كذا من باب المكروه، وذاك يرى أنها من باب المباح، وكلاهما يسوق من الأدلة ما يؤيد اتجاهه ورأيه.

ومن رحمة الله بعباده أن جعل معظم أحكام الشريعة الإسلامية متغيرة وقابلة للاجتهاد، وفق ظروف المسلمين في كل عصر، ولذلك أصبح واجباً على علماء المسلمين الدارسين للشريعة الإسلامية، والمتسلحين بأدوات الاجتهاد، أن يُعملوا عقولهم في فهم النصوص، واستنباط الأحكام التي تتناسب كل عصر.

ويؤكد أن خلافات العلماء والفقهاء واجتهاداتهم لها مجالات لا يجوز أن تتجاوزها، حتى لا يتحول الاجتهاد إلى فوضى وتشويه للأحكام الشرعية. ويضيف: الاجتهاد والخلاف مجاله النصوص الشرعية التي ليس فيها دليل على أنها قطيعة الثبوت، أو الدلالة. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: «يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون»، وقوله سبحانه: «أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، وقوله عز وجل: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين»، وقوله تعالى: «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق»، وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر».

ويؤيده في ذلك د. صبري عبد الرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية في الأزهر، قائلاً: العلماء لن يختلفوا في أمر ثبت من الدين بالضرورة؛ إذ لا يجوز لأحد أن يغير حكماً شرعياً يستند إلى نصوص ثابتة من الكتاب والسنة، فمجال التغيير والاختلاف هي الأمور الفرعية وهي كثيرة ولا ضرر من الخلاف حولها.

ويضيف: عندما يختلف العلماء في قضية ما، على رأيين أو أكثر، فالمسلم هنا بالخيار يأخذ بالرأي الذي يريح ضميره ولا حرج عليه في ذلك، وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».

ويوضح أن استفتاء القلب لا يعني تجاهل كل آراء العلماء وما قالوا به واتباع هوى النفس، فالشخص الذي لا يعرف تعاليم دينه جيداً، ولا يجيد مسألة استنباط الحكم الشرعي، عليه أن يتبع العلماء ويأخذ بما قالوا به.

شروط

ويحذّر د. صبري عبد الرؤوف من ادعاء الإنسان قدرته على استنباط ما يهوى من الأحكام الشرعية حتى ولو كان مثقفاً في الدين، ويقول: ليس كل من يعرف أمور دينه قادراً على الاجتهاد واستنباط الأحكام؛ بل ليس كل داعية قادراً على القيام بهذه المهمة الخطرة، واتفق علماء المسلمين على أنه من شروط من يتصدى للاجتهاد الشرعي (إلى جانب كمال دينه وعقله)، أن يكون ملماً بعلوم اللغة العربية، وطرق دلالتها على المعاني، وأن يكون حافظاً للقرآن الكريم وفاهماً لمعانيه، وأن يكون على علم واسع بالسنة النبوية المطهرة وأحكامها، وأن يكون مدركاً لمقاصد الشرع في المسائل محل البحث، ولأحوال الناس، ولما جرى عليه عرفهم، وما فيه صلاح حالهم، وأن يكون على دراية بالفقه وأصوله.

تجديد الفقه

1
د.شوقي علام

يؤكد د. شوقي علام، مفتى مصر، أن الفقه الإسلامي بفعل اجتهاد الفقهاء في كل مكان يعيش بالفعل حالة تجدد وتطور ومعايشة للعصر. ويقول: لا خوف على الثوابت مادام الذين يقومون على تجديد «الفقه» أو «الفكر» وغربلة ما وصل إلينا من اجتهادات وجهد السابقين «علماء ثقات».

ويضيف: الجمود على الموجود أمر غير مقبول لا من الناحية الدينية، ولا العقلية، وهو أمر ترفضه طبيعة الشريعة الإسلامية التي توصف دائماً بالمرونة والقدرة على التجدد.

وتجديد الفقه في الأمور الاجتهادية يعنى، كما يوضح د. علام، نزع القداسة عما وصل إلينا من اجتهادات العلماء والفقهاء في كل العصور، فلا قداسة لغير ما جاء في الكتاب والسنة.

وينتهي مفتي مصر بالتشديد على عدم ترك ساحة الاجتهاد أمام المتسلقين والمتطفلين بدعوى التجديد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"