العرب ليسوا عنصريين

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

إلى أي مدى تنتشر العنصرية في العالم العربي؟ هذا السؤال يفرضه التقرير الذي نشرته شبكة «بي.بي.سي» بعنوان «هل يعتقد العرب أن العنصرية تمثل مشكلة في بلادهم؟»، واستند التقرير إلى استطلاع سبر آراء 23 ألف شخص في الأردن ولبنان ومصر وتونس وموريتانيا والمغرب والسودان والعراق وليبيا والأراضي الفلسطينية، وجاءت النتائج متفاوتة حول مفاصل تقع تحت العنوان العريض للاستطلاع؛ حيث قالت نسبة تتراوح بين 37 و67 في المئة في ست دول من الدول المشاركة في الاستطلاع إن التمييز العنصري يمثل مشكلة، ويقول أكثر من نصف المواطنين في بعض تلك الدول إنهم يرغبون في رؤية المزيد من أصحاب البشرة السمراء على شاشة التلفزيون..الخ.

  من يقرأ التقرير المنشور منذ أيام قليلة يعتقد أن العالم العربي يعاني مشكلة تمييز عنصري كبرى وتاريخية، ولم يهتم المحرر بأن يخصص نتائجه على عينة الاستطلاع، فبدلاً من القول إن نسبة «كذا» من العينة ترى هذا الأمر أو ذاك، عمم النتيجة على كل مواطني هذه البلدان، وكأن 23 ألف مواطن أصبحوا يمثلون شعوب عشرة بلدان عربية. ومن دون الدخول في تفصيلات عديدة أو التشكيك في نتائج الاستطلاع ، وبما أن الجهة التي قامت بالاستطلاع هي شبكة أخبار عامة، شهيرة وعالمية، كنا ننتظر أن يضم التقرير ولو إشارة إلى ملامح عينة الاستطلاع.

  توجد العنصرية في كل مكان، لكن لا تجعلنا النسبة التي اعتمد عليها الاستطلاع نقول بثقة إنها بمثابة مشكلة في الوطن العربي، خاصة أن تلك المنطقة تاريخياً شهدت أكبر تجمع لأعراق العالم بأكمله، فأصحاب البشرة السمراء ليسوا دخلاء على منطقتنا؛ بل إن معظم سكان المنطقة بالفعل هم من أصحاب البشرة الداكنة، ومن يبحث في تاريخ تلك المنطقة سيجد ظاهرة العبودية الضد، فإذا كان الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، قد عرفوا أصحاب البشرة السوداء خلال فترة تجارة الرقيق واستعباد البشر، فإن منطقتنا عرفت التجارة في الرقيق الأبيض، (المماليك) الذين وردوا إلينا من وسط آسيا وجزر البحر المتوسط، ووصل بعضهم إلى الحكم أثناء الدولة المملوكية، في ظاهرة تاريخية ثانية لم يعرفها أي مكان آخر في العالم.

 في التاريخ العربي أيضاً أدوار لافتة لأصحاب البشرة السوداء، وتولى الكثيرون منهم مناصب حساسة، أي أنهم لم يكونوا معزولين أو يعيشون في أحياء خاصة تقتصر عليهم، فتلك المنطقة لم تعرف في الأساس فكرة الآخر، ليس في اللون وحسب، لكن في الدين والعرق والقومية. صحيح كانت هناك بعض الصراعات أحياناً، لكنها كانت تنتج عن الاحتكاك اليومي بين البشر، نتيجة لحركة المجتمع الطبيعية نفسها، ولم تتحول إلى ثقافة عامة أو إقصاء منظم من قبل الأغلبية، والأهم أنها لم تكن يوماً صناعة أدبية وفنية نتج عنها تمييز ممنهج، ولم نشاهد في يوم ما أحد المواطنين العرب من أصحاب البشرة «الداكنة» يمسك بمسدس ليقتل مواطناً آخر من أصحاب البشرة السوداء، لأنه نشأ في وسط مشبع بالتمييز العنصري.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"