خواطر في طبّ اللغة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تحتاج نظرتنا إلى العربية إلى تصحيح وتنقيح؟ لعلّ عشّاقها هم الذين يزيدون طينتها بلّة؛ لأن الافتتان بجمالها يغشّي أبصارهم، فلا ترى عين الرضا الكليلة عن العيب، المواطن التي تحتاج إلى تغذية وتقوية وتحديث وتجديد دماء وتخليص من الشحوم والترهل. قصيدة حافظ إبراهيم في «الضاد» رائعة مبنى ومعنى وصدقاً وصفاء، كشعر شاعر متيّم بلغته، لكنها لا تؤخذ كفحص شامل، سريري مخبري نعرف به جميع وجوه السالبات والموجبات، ما ظهر وما بطن من أحوال العربية.
أدهى ما يمكن أن يسيء إلى اللغة، ويفاقم إهمال رعايتها وتعهّد سلامتها بالوقاية والعلاج، الحب بغير علم. تخيّل حسناء تعاني أعراضاً وأمراضاً، والشعراء العاشقون يفيضون غزلاً وتشبيباً ليل نهار، بينما تفريج كربتها في وصفة طبيب نطاسيّ. في الطبّ، الأمر سهل، فحتى في الحالات المعقّدة، يكون العلاج أيسر ألف مرّة من طرائق علاج أدواء اللغة. العربية لسان اثنين وعشرين بلداً، أقرب المسالك لديها هو أن تتفق على ألاّ تتفق. للأسف، لا تلعب مجامع اللغة العربية، ولا اتحادها، كل الأدوار الفعّالة على مسرح الحياة العامّة. لا نراها حاضرة ناظرة في وضع مناهج العربية في الوزارات، ولا صاحبة رأي وتوجيه في وسائط الإعلام، مع بعض الاستثناءات النادرة. لا شك في أن تعدّد المجامع في العالم العربي يجعل مسؤولية اتحاد المجامع مضاعفة أضعافاً، من أجل التنسيق والتوفيق، وحتى لا تتعدد الاجتهادات في الترجمة. من المفارقات العجيبة التي شهدتها العقود المنصرمة، أن وكالات الأنباء الأجنبيّة، كانت لضرورة سرعة نشر الأخبار التي تنقلها من لغاتها إلى العربية، «تخترع» ترجمات آنيّة لما يستجدّ من مصطلحات، وكانت اجتهاداتها تنقلها وسائل الإعلام السمعية والبصرية، من دون أن يكون لمجامع اللغة أيّ رأي، وكأنها تقول لعلماء اللغة: «سبق السيف العذل»، و«قضي الأمر الذي فيه تستفتيان».
بداهة، حياة اللغة وحيويتها تتوقفان على إنتاج العلوم، وهذه القوة الدافعة الداعمة، تنموية بامتياز. ليس من سبيل آخر غير مراكز البحث العلمي في جميع الميادين، لتنهض الصناعات والتقانات بفضل العلوم البحتة والتطبيقيّة، وتزدهر مجالات العلوم الإنسانية. هكذا تكتمل الدورة المتكاملة: المناهج ترفد البحث العلمي، والبحث العلمي يرفد الحياة العامة بإنتاج العلوم، وهذا يطوّر التعليم ويغذّيه وهكذا..
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: عشق اللغة، هو أن نحوّل الحبّ إلى طبّ، لتتخطى العربية المطبّ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"