من أوراق أفغانستان الدموية

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

في أي مكان من العالم تدخله القوى الغربية، أو نزاع تتدخل فيه تكون اللافتات والشعارات المطلوبة لتبرير ذلك التدخل جاهزة، وهي محاربة الإرهاب، ونشر الديمقراطية، التي ستدر اللبن والعسل على الشعوب التي غرقت في أزمات ومصائب من صنع هذه القوى نفسها، والتي تعتمد أسلوب التآمر على الشعوب المستضعفة، ونهب خيراتها، ثم تركها فريسة لصراعات سياسية وأيديولوجية وعرقية ودينية إلى آخره من الصراعات التي ما إن تهدأ في مكان حتى تشتعل في آخر.

 وما إن تخرج هذه القوى الغربية من الصراعات التي تشعلها، حتى يتكشف حجم ومدى الجرائم التي ترتكبها تحت ستار تصدير ديمقراطياتها المزعومة إلى الآخرين، وتتكشف أوراق وفضائح يحاول دعاة الديمقراطية إخفاءها عن عيون العالم.

أما آخر هذه الفضائح فهو ما كشف عنه تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية من أدلة على أن القوات الجوية البريطانية الخاصة «SAS» أعدمت محتجزين وقتلت أناساً غير مسلحين في أفغانستان.

 وقال برنامج «بي بي سي بانوراما» إن وحدة قتالية واحدة قتلت 54 شخصاً في ظروف غامضة، وأن كبار الضباط لم يبلغوا عن جرائم القتل المزعومة ولم يكشفوا عن الأدلة للشرطة العسكرية.

 يأتي ذلك في وقت تزعم فيه وزارة الدفاع البريطانية أن قواتها تلتزم دائماً بأعلى المعايير، وأنها خدمت بشجاعة ومهنية في أفغانستان.

 وعثرت «بي بي سي» على أدلة تشير إلى أن القائد السابق للقوات الخاصة، الجنرال مارك كارلتون سميث، تقاعس عن تقديم أدلة تخدم تحقيقاً في ارتكاب عمليات قتل، وأنه علم بوجود جرائم قتل غير قانونية لكنه لم يمرر أدلة تخدم تحقيقات كانت تجريها الشرطة العسكرية الملكية البريطانية.

 هذا الخبر يعيدنا في الواقع إلى الإهتمام العالمي الذي نشأ حول ما ارتكبته الولايات المتحدة في أفغانستان. على مدى السنوات العشرين الماضية في أفغانستان أيضاً، ومنها ما حدث عام 2008، عندما هاجمت القوات الأمريكية قرية عزيز أباد في مقاطعة هرات الأفغانية، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من مئة مدني، وحسب العديد من الإحصائيات فإنه على مدار عقدين من الزمن تسببت العمليات العسكرية الأمريكية في سقوط أكثر من 100 ألف ضحية من المدنيين الأفغان.

 ناهيك عن إساءة معاملة السجناء. في عام 2016، حيث اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية إلى نشر مئات الصور لسجناء أساءت إليهم القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. ما دفع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لتأكيد أن هناك أدلة على أن ما يقرب من مئة سجين أفغاني تعرضوا للتعذيب والإيذاء وحتى الاغتصاب أثناء الاستجواب.

 ونتوقف هنا أيضاً مع الحقائق التي حاول الأمريكيون إخفاءها، عند هروب القوات الأمريكية من مطار كابول، وقيام طائرات مسيرة أمريكية بقتل أبرياء على اعتقاد أنهم من الإرهابيين الذين نفذوا هجمات على المطارخلال انسحاب هذه القوات. 

 وما يقال في الجرائم التي ارتكبت في أفغانستان يقال أيضاً عن الجرائم المقترفة في العراق، وأبرزها جرائم سجن أبو غريب وغيره، وكل الجرائم التي ارتكبت في ساحات النزاع الأخرى في العالم.

 ولعل ما كشفته الإذاعة البريطانية مؤخراً من أدلة ليس سوى الجزء اليسير جداً من الجرائم التي أمعن الغرب في ارتكابها.

 قد لا تقدم الأدلة الجديدة التي قدمتها الإذاعة البريطانية عن جرائم القوات البريطانية الكثير من الفائدة لأهل الضحايا، لأن الدول الغربية تتمترس خلف قوة عسكرية وإقتصادية وإعلامية هائلة، تستطيع منع إي إجراء قانوني دولي لمحاسبة القتلة، لكنها تقدم رسالة جديدة إلى العالم، حول زيف الشعارات التي يرفعها الغرب لتبرير تدخله في مصائر الشعوب، تحت لافتات كاذبة تسوقها الماكينة الإعلامية الغربية بمهارة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"