حراك إقليمي في لحظة حساسة

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

بينما العالم يعيش فترة استثنائية تنذر بتطورات غير عادية، يجري حراك دولي واسع في منطقة الشرق الأوسط، لعلَّ أبرزه الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والاجتماعات التي عقدها بشكل ثنائي، أو من خلال القمة التي حضرها مع قادة دول الخليج العربي قادة مصر والأردن والعراق. وعلى الضفة الأخرى يأتي اجتماع القمة الثلاثي بين قادة روسيا وتركيا وإيران في طهران الثلاثاء 19 تموز/يوليو.

 ومن الواضح أن تغييرات جوهرية حصلت في الحسابات السياسية لدى القوى الدولية الكبرى بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، لاسيما عند الولايات المتحدة وروسيا، وقد أعاد القطبان الكبيران النظر بمجموعة من الاعتبارات التي حكمت مقارباتهما السابقة، ومنها خصوصاً تغيير نمطية التعاطي مع الدول العربية الرئيسية، ومع القضية الفلسطينية. وبالفعل فقد حملت زيارة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف مطلع حزيران/يونيو ومشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض دلالات واسعة، كما أن زيارة الرئيس جو بايدن إلى المنطقة جاءت في ذات السياق، وتؤكد اعتماد مقاربة أمريكية جديدة.

 التجاهل الاستراتيجي الذي اعتمدته إدارة بايدن منذ ما يزيد على العامين، سمح بتسلل حالة من الفوضى إلى بعض دول المنطقة، وساهم الإهمال في تشجيع الحراك الراديكالي في دول الهلال الخصيب العربي وفي اليمن، وأربك أصدقاء واشنطن التقليديين وشجع خصومها على الانفلاش. وقد ازدادت الملفات الساخنة تعقيداً من جراء هذه الإخفاقات، كما ازداد الغموض حول الملف النووي الإيراني، وما يحيط به من تشعبات تتعلق بالسباق نحو مزيد من التسلُّح، ولاسيما في مجال صناعة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

 محاولة استخدام المنطقة العربية كورقة ضاغطة في الحرب الأوكرانية لن يكتب لها النجاح، ذلك أن مواقف الدول العربية – لاسيما النفطية منها – كانت واضحة لناحية رفض الانخراط في المحاور الدولية المتنافسة في هذا السياق، من دون أن تقفل الباب على التعاون مع الدول الغربية في مجال النفط والغاز، وهي بقيت على تواصل مع روسيا، لاسيما في إطار منظمة الدول المصدرة للغاز، ومن خلال صداقة هذه الأخيرة مع الدول المصدرة للنفط «أوبك» ومن المرجح أن لا تقدم الدول العربية النفطية على أي خطوة راديكالية في هذا الاتجاه، قد يزيحها عن موقفها الحيادي الذي يفتح باب التعاون مع الجميع.

 الفجوة التي أحدثتها سياسة الرئيس بايدن خلال السنتين المنصرمتين كانت كبيرة، فهي تجاهلت القضية الفلسطينية بشكل واسع، واعتمدت مقاربة غريبة فيما يتعلق باليمن، حيث شجعت الميليشيات الحوثية على الاستبداد بعد رفعهم عن لائحة الإرهاب، والأهم أن الإدارة الأمريكية تجاهلت تأثير المنطقة العربية على الأسواق النفطية العالمية، بضغط من الشركات المستفيدة من تطوير صناعة النفط الصخري. واللَّفتة الأمريكية الإيجابية الجديدة التي حملتها زيارة بايدن، تؤكد أن حركة تصحيحية جرت على السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة، وتأكد معها أن حسابات بعض قادة الرأي في الحزب الديمقراطي بنوا رؤيتهم على معلومات غير سويّة، وهي تستند في معظمها إلى تحليلات دوائر وشخصيات تكنُّ العداء للعرب.

 الحراك الدولي في الشرق الأوسط في هذه اللحظة السياسية الحساسة من تاريخ العالم؛ قد يزيد من تفاقُم الاضطرابات، وقد يساهم في ضبط التهوُّر في آنٍ واحد. والدول العربية الرئيسية مع تركيا تحاول التصويب نحو شيء من التوازن في سياق التوتر القائم. وبينما تحاول أنقرة الدفع باتجاه اتفاق بين روسيا وأوكرانيا يتيح تصدير القمح والمواد الغذائية بسهولة من موانئ البحر الأسود؛ تحاول الدول العربية الحفاظ على صيغة تعاون تؤمن الاستقرار في الأسواق النفطية، ولا تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.

 تحميل زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة أكثر من قدرتها؛ مقاربة غير واقعية، لكن لا يجوز التقليل من شأن تأثيرها على ملفات أساسية في ذات الوقت. وقد يكون توقيت قمة طهران الثلاثية غير مرتبط بهذه الزيارة، خصوصاً أن وسائل الإعلام الرئيسية في روسيا وتركيا وإيران تعطي القمة أبعاداً تتعلق بالملف السوري على وجه التحديد، وقد سبق أن عقدت مثل هذه اللقاءات بين الدول الثلاث حول هذا الموضوع، وقد أطلقوا سوياً «مسار أستانة» للحوار.

 في ظل الحديث عن أزمة تضخُم اقتصادية دولية تشبه «الكساد الكبير» الذي سبق الحرب العالمية الثانية، يحتاج الحراك الدولي إلى ضبط نفس إيجابي بعيداً عن التهوُّر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"