عادي
قصيدة ملحمية النفس مسكونة بروح المكان

أحمد العسم يفي بوعد الشعر في «أمينة»

19:37 مساء
قراءة 5 دقائق
أحمد العسم

عبد الله السبب
غاية النفس في سعادتها، وهي تكتب: «أمينة»

أحمد عيسى العسم.

(1)

على غير عادته، منذ عام 1998؛ حيث مغامرته الأولى، عبر المشترك الشعري «مشهد في رئتي»، وحتى آخر «ثلاث نقلات» شعرية في عام الخمسين 2021؛ يدخل أحمد عيسى العسم مدينة الشعر من أطول دروبها، وأصعب أبوابها.. غير آبهٍ بما قد يعترض طريق قصيدته الملحمية النَّفَسِ، والنّفْسِ الأمّارة بالشعر لا سواه، ولا سيرة له إلا أُمْنِيةَ «أمينة» الرمز والرقم الصعب في تاريخ «العسم» نفسه.

(«ليه نقول ارجع يا زمان»

أصبحتُ خمسينياً

وأنتِ أربعينية).

(2)

«أمينة»، حكاية الوعد القادم من الزمن البعيد؛ منذ ألف باء الكلام (2009)، وحتى (2020)؛ ياء اليد التي نسجت خيوط تلك الحكاية لتُسْمعها على المارة من متذوقي الشعر وخاصته من الشعراء والدارسين في مايو 2022، عبر «مركز أبوظبي للغة العربية» و«منشورات غاف»، على متن (208) صفحات مُفصحة عن أسرار الكلام، وعن أسرابٍ من أمكنة وأزمنة، وملامح شخوص شاخصة بأحلامها وأملاحها وأحمالها، وما يمكن تخيله ومخاتلة أفكاره ورؤاه.

(عليكَ أن تفعلَ مثلي أيّها الضوء

وألاّ تنظر إلى قدم الحياة المكسورة

توضّأ بماء الصبح، وتوكّل على مَنْ يُضيء قلبَ الطير).

(3)

(أمينة): (أ): (م): (ي): (ن): (ة): (أمٌّ مدّت يدها نحو تفاحة آينشتاين، أو تفاحة آدم).. لا فرق بين التفاحتين.. فكلتاهما تجذباننا نحو الأرض التي تلقفت رؤوسنا حين سقوطها من بطون أمهاتنا، وحين مارسنا عليها بطولات طفولات مرهفة الحس والحاسة السادسة السائرة نحو أحلامها بما لا تعلم مما قد يعترض سفنها من رياح أو أرواح بعيدة كل البعد عن كل معنى للبياض.

الأرض؛ تلك المفردة الفريدة في فصولها وتفاصيل تضاريسها، وما صاحبها من مفردات صريحات متكاملات معها في الدلالة والمثول في شواهد «أمينة» المتناثرة هنا وهناك: (هناك من يكسر غاياتك النبيلة، ويأخذك سريعاً إلى الطين. الأخضر المطمور بالرمل قلبك المَعني بالأسئلة – قدمك أعمدة رمل. يأتي، ومعه غبار لغته.. حارس الورق القديم. كان عليّ أن أراك – قبل أن ينهال التراب.. على صمتك. طين وماي، ماي وطين. أحلامنا ماء، وأفئدتنا من طين. والركض على الطين. وضع رجلٌ عموداً طويلاً، في الرمل. الأفكار كومة رمل.. حياتي كحلقي جافّة.. طين الغياب.. ممر «وادي» ووقوف مغامرين. أسمع صوتي، أرى عيوني، أفتح أذني، أغرف رمل. سأعيد إلى سعادتك الأوراق، واخضراراً على طين الحديقة. الرطوبة تنزل على الطين، وتبلل جيوبه).

تتكرر المفردات، ويتعدد المعنى، وتستمر الحكاية.

(4)

هكذا فعلت «أمينة» بالتفاحتين، وهكدا تهجينا حروفها بما يجب، وبما يجعلنا نفعل ذلك مراراً وتكراراً بألف مفردة ومفردة، لتسافر بنا نحو ألف معنى ومعنى..

(يا «أمينة»..

لِمَ شربتِ الخدعة

وتركتني أودّعك يائساً):.

«أمينة»؛ الاسم والمعنى، الاسم والفعل، الفعل وردة الفعل.

«أمينة»؛ أي اسم ذاك الذي أطلقه الشاعر أحمد العسم على مطولته الشعرية الموسومة ب«أمينة»؟ وأي معنى في بطن الاسم الحي بروحه، والحيوي بحروفه الرامية إلى شيء ما، مستتر كان في غياهب البرواز، أم بارز للعيان؟! وأي فعل يُحدثه «أمينة» الاسم في المشهد الشعري؟ وأي ردة فعل محتملة الحدوث جرّاء تقصي أثر الاسم المرسوم بعناية فائقة طيلة مقطوعة شعرية تكاملت في ما بينها لتطلعنا على «ملحمة» متلاحمة الخيوط والخطوط والخطط التي أريد لها أن تكون ماثلة في ذهنية القارئ القادر على سبر أغوار الشعر دون أدنى ضجر أو عائق يذكر؟!

(صوت «أمينة» طائر حنين

ها أنا أمامك

بإمكانك نفض جيوبي

الهواء الذي دارَ

أخذني إليكِ

لستُ إلاّ فراغاً يتجمّع

من حولك، يملأ الكرسي).

(5)

«أمينة»؛ مسرح تاريخي في أمكنة ما، في أزمنة ما، عبر أحداث ما، ذات أحاديث وإحداثيات ما.. تماماً، كما الشواهد التالية:

(الليل في هذا اليوم/ الثامن والعشرين/ من شهر سبتمبر/ من سنة ألفين وتسعة/ معدن يلمع/ وينطفئ/ أنزلُ إلى سلّم أحزانه/ وأصعدُ بكِ ممتلئةً.. بوصال).

(تكريم اتّحاد كُتّاب وأدباء الإمارات «فرع رأس الخيمة»: 2018/10/17: لم أرد إفساد سعادتك بتكريمي/ الحلم ملكُ الإنسان وحدَه/ وأنت حلمي، وينام معي/ يلحّ ويأكل من «افادي»/ أحلم بك في الصالة سعيدةً/ «انفضّ السامر» وعدت للبيت كوعد ميت..).

(حتى آخر الوقت/ نخجل من الانتظار. انتشرت دفعةً واحدةً أمانينا/ في عيد الفطر 2020: خسرتُ صوتك وقصيدتي/ التي وددتُ إبهارك بها/ لم ألمح أحداً لإيصال/ التهنئة والقصيدة).

كما هي خريطة جغرافية لأمكنة تنتمي إلى رأس الخيمة الإمارة بأماراتها ودلالاتها الحاضرة في حاضر دولة الإمارات، بروحها وبيتها وشعبها واستشرافها لمستقبل أكثر إشراقاً وطمأنينة وأمناً وسلاماً:

(وأعرف أنّه لا أحد اتكأت عليه جبال «الجير» سواكِ. وأنتِ هناك، وجبال «جلفار» من حولك وإشراقات الشمس المستمرّة. حقيبة الشمس، إلى جبلٍ قبل «رأس الدارة». يا جبلاً.. قبّل «رأس الدارة، في شعم»).

(6)

«أمينة» مدينة ملوّنة؛ إذ هي مشترك لوني لطائفة من ألوان الطيف المرئي وغير المرئي: (أرسم شجرةً يابسةً.. كلّما حزنت، تحدّثت لها عن الفشل، وعن سخريتي، من الضحك غير المبرّر. صورتك شجرة، أمام المسجد). (الألوان كلّ ما لدي. أمكث داخلها.. «أزرق» كلون السماء، متغير كالبحر، «أصفر» كمركب سفرٍ. الألوان مُبشِّرة.. صديقة مقرّبة من الفرح، من الشعر، من القراءة، من البحث).. («الأخضر» المطمور بالرمل قلبك المعني بالأسئلة. «البياض» لروحك التي تهز مضجع الأسى. «البياض» لروحك التي تشق طريقها إلى ظهري. «البياض» لروحك التي تضعك على الوسادة. «البياض» لروحك التي تملأ الهواء الشاغر. «البياض» لروحك التي تهب أفئدتنا الوعود. أنتِ، الطائر «الأبيض» الذي ينام على ذراعي. يأتي السرور بملابس «بيضاءَ» كالسّرّ. هو ذاك الآتي بين أفق الظنون، معصوب العينين، لم يرَ «اللون الناري». أعدكِ أن أضع، الخاتم «الفضي»، الذي يعيق تكملة النص. لم يَعُدْ الوقت «أبيض». الأبَجورة خافتة، «الظلام» يسيطر. اليأس «أصفر» في الشجرة. تُغلق فمها الأبواب، إن رأتنا نكسر الكلام.. عشبٌ «أصفرُ» لنصّ طويل. نستطيع كشف أمرهم؛ فهم حفّارون في «الظلمة»، وقت الصبر الذي احتملناه أرضٌ «خضراءُ». في العزلة.. أنا الأب والإنسان والمعلّم، والذي يضع «ألوان السرور» في دفتر أبنائه:. الحياة أنتِ التي أهرب إليها إلى ظلّ شجرة وأحميكِ من الغبار. سأعيد إلى سعادتكِ الأوراق، و«اخضراركِ» على طين الحديقة. في فم الإنسان ورق، لِسَان «أزرق»، أنف مدبب، أذن طويلة لا يسمع بها).

(7)

«أمينة»، «سيدة الصمت والقرار الصعب»؛ فيما تكرر «أمينة» الاسم في «أمينة» الكتاب مرات عِدَّةٍ، تُعَدُّ على الأصابع، وتعتد بما آلت إليه.. فإن «أمينة» الكتابة والكتاب؛ كتيبة من الشعر والنثر والسرد، وعالم من العوالم المملوءة بالمعالم الجغرافية والتاريخية والمرموزات الواقعية والخيالية الخالية من كل صدفة أو غير معنية بما تم العثور عليه من معانٍ ودلالات، وفي «أمينة» الكتاب؛ ثمة ألف أمينة وأمينة، وألف أمنية وأمنية، وألف قصة وقصة، وألف قصيدة وقصيدة، وألف قصدٍ وقصد، وثمة وثمة وثمة، وثمة شاعر واحد، وراوٍ وحيد، مُتحد مع كلمته، ومتوحد مع نفسه وأنفاسه وأزمنته وأمكنته وكائناته: أحمد عيسى العسم، الشاعر المشبع بالشعر، من قمة رأسه إلى أخمص قدميه:

(مُ، رْ، هَ، قٌ، أكتب الشعر.

أحب أصدقائي الشعراء وأصدقائي،

وأغرف منهم ما لم أستطع أن أقوله).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"