أحجار «الدومينو» تتساقط

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. كمال بالهادي

يبدو أن أخبار البيت الأوروبي غير سارة، بما أن الأخبار الأكثر تداولاً هذه الأيام هي انحدار اليورو مقابل الدولار، للمرة الأولى منذ طرح العملة الأوروبية للتداول قبل أكثر من عقدين من الزمان. ومن الطبيعي أن تعقب هذه الأخبار، أخبار أخرى عن العواصف السياسية التي تنتشر كالنار في الهشيم في العواصم الأوروبية.

 قلنا مراراً إن أوروبا ستكون هي المتضرّر الأول من مغامرة حرب «نصف عالمية» في أوكرانيا، مثلما تحملت الشعوب الأوروبية مغامرات حكوماتها الجنونية في حربين عالميتين قضتا على عشرات الملايين من الأبرياء في كل أصقاع العالم. وما يحصل الآن من تواتر أخبار سقوط حكومات أوروبية مثل أحجار «الدومينو» إلاّ دليل على أن نتائج الحرب الروسية في أوكرانيا بدأت تظهر بعد نحو خمسة اشهر منذ انطلاقها.

 أحد أبرز المعادين لروسيا والذي يقود عمليات التحريض العلنية، بل وأحد دعاة مواجهة روسيا عسكرياً، بوريس جونسون، يسقط بعد أن تخلى عنه أغلب أعضاء حكومته وسارعوا بالقفز من قاربه قبل أن تغرق. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن الوضع في المملكة المتحدة دليل على أن «الأنظمة الليبرالية (الغربية) تمر بأزمة سياسية وأيديولوجية واقتصادية عميقة». وفي جنوب القارة الأوروبية تكافح إيطاليا لإبقاء ماريو دراغي في منصبه بالرغم من أنّه قدم استقالته، وقال إنّه لن يتراجع عنها.

 وبعد سقوط رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي تميّز بشراسة مواقفه وقراراته ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا، يهتزّ موقع زعيم أوروبي آخر يصرّ على تزويد كييف بالمزيد من الأسلحة الثقيلة ضد رغبة اثنين من الأحزاب الرئيسية التي تدعم حكومته الائتلافية، ما خلق أزمة سياسية خانقة في روما، دفعت ماريو دراغي إلى إعلان استقالته. والأوروبيون يدركون جيداً أنّ مفاعيل الأزمات الداخلية في الدول الأعضاء، ليست إلا تداعيات للحرب الروسية الأوكرانية، بل إن الاتهامات باتت توجه إلى بوتين شخصياً، بكونه يعتمد على قوى سياسية محليّة أوروبية لافتعال أزمات تؤدي إلى سقوط الحكومات. وقال بيتر سبانو، أحد الناطقين الرسميين بلسان المفوضية الأوروبية «ثمة أطراف داخلية، قد تكون سياسية، تستخدمها موسكو في جهودها لشنّ الهجمات الهجينة على الدول الأعضاء». وأضاف أن تسمية الأطراف الداخلية الضالعة في هذه الهجمات الروسية، التي كانت وراء الأزمة الحكومية الأخيرة في بلغاريا وهي اليوم تحرّك بعض خيوط الأزمة الإيطالية، مسألة تعود لحكومات الدول الأعضاء وأجهزتها، داعياً إلى الحذر في مواجهة «المساعي الروسية لزعزعة الاتحاد الأوروبي وأعضائه». واعتبرت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، أن أوروبا بأمسّ الحاجة إلى الاستقرار السياسي في هذه المرحلة الحرجة من الحرب في أوكرانيا، وإلى الدور القيادي الذي تلعبه إيطاليا في الاتحاد الأوروبي. وكان وزير الخارجية الإيطالي، من ناحيته، صرّح بقوله: «تدمي الفؤاد رؤية موسكو تشرب نخب الأزمة الإيطالية، و(الرئيس الروسي السابق ديمتري) ميدفيديف منتشياً لأنهم قدّموا رأس دراغي على طبق من فضّة لبوتين. أنظمة الاستبداد تحتفل، والديمقراطيات تضعف. أوروبا أيضاً ستضعف من غير هذه الحكومة». وفي بلغاريا لم تعمّر الحكومة سوى ستة أشهر فقط، وسقطت بسبب خلافات قوية بين الطبقة السياسية البلغارية حول الموقف من الحرب الأوكرانية، علماً بأن هذه الدولة التي تعدّ6.5 مليون نسمة هي أفقر دولة أوروبية، ومن الطبيعي أن تكون هي الضحية الأولى لتداعيات حرب أوكرانيا. 

 أما في فرنسا التي أظهرت تغيراً كبيراً في مزاج الناخب الفرنسي في الانتخابات الرئاسية التشريعية خاصة، فتواجه حكومة الرئيس ماكرون اختبارات صعبة للبقاء في منصبها بسبب صعود طبقة سياسية جديدة مختلفة في المواقف اختلافات جذرية عن موقف «الإليزيه»، وبالرغم من أن الحكومة ضخت 20 مليار يورو للحدّ من التضخم، ومن ازدياد نسبة الغضب الشعبي، إلاّ أنّ الحكومة الفرنسية فشلت في أول اختبار للتصويت على مشروع قانون جديد يتعلق بالإجراءات الواجب اتخاذها للحد من انتشار جائحة «كورونا». وهذا الفشل هو دليل على أن ماكرون قد يعيش أياماً صعبة، مماثلة لتلك التي تعيشها روما ولندن.

 إن الحديث عن «أحجار الدومينو» داخل البيت الأوروبي ليست مجرّد استدعاء لأمثلة قديمة، بل إنها واقع و حقيقة تثبت أن القيادات الأوروبية هي أقل قيادات العالم ذكاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"