كن عادياً

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

منذ بدء الخليقة وحتى وقتنا الحاضر، ظلت البشرية تشيد في المحافل والمناسبات المختلفة بالإنسان المتفوق المتفرد، وبضرورة أن يكون المرء استثنائيّاً حتى يجد لنفسه مكاناً في عالم يضج بالمنافسين وأصحاب الإنجازات العظيمة، الذين لا نزال ننظر إليهم بعين الإعجاب والانبهار.
من اليوم الأول لخروجنا إلى عالم الوجود، ووسائل الإعلام على اختلافها والمجتمعات التي نعيش في كنفها، تبث فينا فكرة أن الإنسان العادي مجرد شخص لا قيمة له، محض رقم زائد في تعداد الكائنات والموجودات، فلا تكن عاديّاً، بل وإياك أن تفكر في عيش حياة عادية بسيطة.
عليك دائماً أن تكون مختلفاً حتى تنجح، وأن تكون غريباً حتى تبرز، وأن تكون غامضاً ومعقّد الشخصية وغريب الأطوار حتى يلتفت الناس إليك. وإذا كان بوسعك أن تصبح هرقل أو آينشتاين أو واحداً من الجهابذة العظماء فمرحباً بك إلى طاولة الوجود، وما دون ذلك فأنت لست سوى نسخة مكررة عن غيرك، وعالة على المجتمع.
الذكي والعبقري وأصحاب المواهب والجينات الخارقة محبوبون من الجميع بغض النظر عن أخلاقهم، أما البسطاء الطيبون فقلما بل نادراً ما تجد من يقدّرهم حق قدرهم، لماذا؟ لأنهم ببساطة عاديون.
أن تكون عاديّاً لا يعني أنه لا قيمة لوجودك، ولو تأملنا قليلاً، لوجدنا أن العظيم ليس بإنجازاته فحسب، بل يمكن لشخص بسيط أن يكون عظيماً إلى أبعد الحدود، فرُبّ عامل بسيط يجلس عند زاوية الطريق تحت حر شمس الصيف لساعات طويلة بعد أن حاول إيجاد عمل ولم يقبله أحد، خيرٌ من كثير ممن نطلق عليهم مسمى «عظماء ومشاهير».
حتى نحن كآباء وبدون أن نشعر نحاول أن نبرمج عقول أبنائنا ليكونوا مميزين وعباقرة، لكي يكونوا مختلفين عن الآخرين، حتى يجدوا لهم مكاناً في هذا العالم الذي لا يقبل إلا بالمميزين.
فيما مضى قرأت عن أحد الأدباء الذي تخلى عن كل شيء في حياته، والذي كان يملك الشهرة والمال والمجد، وقرر أن يعيش في مزرعة متواضعة برفقة أسرته وهو يزرع ويحصد؛ لأنه آمن بأن الحياة تكمن في تفاصيلها الصغيرة التي نعيشها كل يوم. ولأنه آمن بأن العظمة الحقيقية في أن تكون عاديّاً، لا في سعيك المرضي المستميت كي تكون استثنائيّاً.
لذلك كن على سجيتك، واستمتع بأبسط الأشياء في حياتك، ولا تركض خلف العظمة باستماتة مَرَضيّة. وهذا لا يعني ألا تكون طموحاً، لكنه يعني أن الحياة البسيطة جميلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"