رسالة لأمريكا.. الإدارة والشعب

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

اتخذت قمة جدة لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق مع الولايات المتحدة «الأمن والتنمية» عنواناً لها، لإيمان القائمين على تنظيمها والمشاركين فيها بأن الأمن والتنمية هما جناحا الاستقرار والازدهار، فالأمن بمفهومه الشامل الذي لا يقتصر على الأمن الجنائي وإنما يضم المعيشي والغذائي والصحي والبيئي والمناخي، هو الضمان لتحقيق التنمية، وتحويل جميع أفراد المجتمعات إلى عناصر منتجة، بدلاً من أن يكونوا معيقين لها، وعالة على مجتمعاتهم. وأمن الأفراد والشعوب والدول هو الأساس للاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية. 

  وشهد التاريخ أن أمن واستقرار منطقتنا من الضمانات الأساسية لاستقرار الإقليم والعالم، ولذا جاءت هذه القمة لتضع النقاط على الحروف، ولتدفع الولايات المتحدة لتغيير أولوياتها والاعتراف بخطاياها السياسية تجاهها، بعد أن أدارت ظهرها لها في ظل الحكم الأوبامي، وليأتي الرئيس جو بايدن ليسير على نهج سلفه الديمقراطي مقرراً قبل أن يسكن البيت الأبيض عزل المنطقة، ولأنه لا يوجد أكبر من الخطأ سوى عدم الاعتراف بالخطأ، فقد كانت قمة جدة فرصة لاعتراف الرئيس الأمريكي بالخطأ الذي ارتكبته إدارته تجاه هذه المنطقة، مقرراً التصحيح والعودة لأجل مصلحة بلاده قبل أي شيء، وطالباً المشورة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتوجيهه الدعوة إليه لزيارة واشنطن للتباحث في أمور المنطقة، ولتوضيح غير الواضح له بشأن قضاياها وأزماتها وطموحات قياداتها وتطلعات شعوبها. 

  وليس خافياً على إدارة الولايات المتحدة، ولا على أي من زعماء العالم، أن مفتاح استقرار منطقة الشرق الأوسط هو حل القضية الفلسطينية، كما لا يخفى على أحد منهم أنها لا تخص الفلسطينيين وحدهم، ولكنها كانت، ولا تزال، وستظل قضية العرب الأولى، وأيضاً لا يخفى عليهم أن العرب دعاة سلام واستقرار وسيادة، وأن ما يشغلهم، حكومات وشعوباً، هو أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة، ويستعيد أرضه المحتلة، ويقيم دولته على الحدود التي أقرتها الشرعية الدولية، وهي حدود الرابع من يونيو/ حزيران ١٩٦٧، حسب قرار مجلس الأمن ٢٤٢، ولذا تصدرت هذه القضية كلمات جميع الزعماء العرب خلال انعقاد القمة، من دون أي تنسيق بينهم، حيث عبّر كل منهم عن رؤاه لتحقيق الأمن والتنمية للمنطقة، بما يضمن استقرارها ومساهمتها في انتشال العالم من أزماته المتلاحقة والتي تكاد تعصف بالنظام العالمي، وتهدد استقراره. 

 أجمع الزعماء العرب على ضرورة التصدي للتجاوزات الاسرائيلية المستمرة منذ ١٩٤٨ ضد الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها الاعتداءات المتوالية على الناس، ومحاصرتهم، والتضييق على أرزاقهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وهدم بيوتهم، وتدنيس مقدساتهم، وسرقة أراضيهم، وبناء المستوطنات عليها. ولأن هذه القضية اقتطعت من عمر المنطقة 74 عاماً من التصريحات والوعود الكاذبة، والاتفاقيات التي التزم ببنودها العرب ونقضتها إسرائيل، فقد كانت مطالبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعدم الاكتفاء بإحياء مفاوضات السلام على أساس حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهي المفاوضات التي يمكن أن تستغرق سنوات، بل عقوداً، ولكنه طالب بالسعي إلى حل نهائي لها لا رجعة فيه، ليكون بذلك قوة الدفع التي تستند إليها مساعي السلام في المنطقة.

 كل قادة الدول الذين شاركوا أكدوا ضرورة حل القضية الفلسطينية، ولكن يبدو أن الإدارات الاسرائيلية المتعاقبة لا تؤمن بذلك، ولا ترى سوى المراوغة والوعود الكاذبة وسيلة لكسب الوقت، كأنهم لا يدركون أنه مهما طال الزمن فلن يغير ذلك شيئاً في الثوابت العربية، وأن عودة الحق لأصحابه هو مفتاح الاستقرار، وأن الحق الفلسطيني لن يضيع، وسيعود عاجلاً أم آجلاً. 

 رسالة القادة العرب وصلت قوية إلى الإدارة، وإلى الشعب الأمريكي، وليت الإدارة الأمريكية، بعد أن اعترفت بخطأ سياستها تجاه المنطقة، تعترف بخطأ سياستها وسياسة الإدارات الأمريكية السابقة تجاه القضية الفلسطينية، وتقرر إعادة النظر والسعي الجدي لوضع حل نهائي وحاسم لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، بدلاً من أن تظل هذه القضية ورقة يعبث بها المتطرفون والمسلحون والشاردون، من الحكومات والمرتزقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"