من يخلف جونسون؟

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

بعد بضعة أسابيع، سيختار نحو مئة وثمانين ألف عضو في حزب المحافظين، رئيس الحكومة الجديد الذي سيخلف رئيس الوزراء المستقيل بوريس جونسون. هؤلاء هم الذين سيشاركون في انتخابات زعيم الحزب مطلع سبتمبر/أيلول القادم من بين مرشحين اثنين فقط، هما وزيرة الخارجية ليز تراس، ووزير الخزانة السابق ريشي سوناك.

في كل جولات انتخابات النواب كان ريشي سوناك متقدماً على بقية المنافسين؛ ذلك لأن النواب يختارون وفي ذهنهم من هو الأقدر على قيادة حكومة بالشكل الذي يضمن لهم الفوز بمقاعدهم في الانتخابات العامة القادمة بعد نحو عامين. أما الأعضاء من الجمهور فيصوّتون لاعتبارات أخرى غير الخطط والبرامج والخبرات والقدرات. ثم إنه من السهل على المرشحين «التربيط» مع زملائهم النواب، لكن مع الجماهير الأوسع يحتاج المرشح إلى أن يكون «جاذباً» بشكل شخصي كي يفوز بثقتهم.

بغض النظر عن أن بضع مئات الآلاف من بين أكثر من ستين مليون بريطاني هم من سيختارون من يحكم البلاد (فتلك هي الديمقراطية البريطانية الراسخة ونظامها)، فإن معايير التصويت تتباين وتختلف لدى النخبة عن الجمهور؛ لذا ما إن وصلت التصفيات إلى نهايتها حتى بدأت استطلاعات الرأي تُظهر تقدّم تراس على سوناك لدى جماهير أعضاء الحزب الحاكم.

حين يصوّت أعضاء الحزب الحاكم لاختيار زعيم الحزب والحكومة، ستكون هناك امرأة إنجليزية بيضاء، هي تراس، ورجل ملوّن مهاجر من أصل هندي هو سوناك. وفي ذلك ميزة تصويتية لصالح تراس، بغض النظر عن قدراتها ومهاراتها وبرنامجها للحكم.

لأن الاثنين من حكومة بوريس جونس وفريقه الذي برز مع استفتاء الخروج من أوروبا (بريكست) في 2016، فهما مثقلان بإرث حكومة جونسون التي لم تكمل ثلاث سنوات منذ فوز حزب المحافظين الكاسح في انتخابات 2019، لكن ريشي سوناك استقال الشهر الماضي من الحكومة، ليطلق سلسلة استقالات أدت إلى خضوع جونسون لرغبة حزبه وإعلان عزمه التخلي عن منصبه حين يختار الحزب بديلاً له. وهذه نقطة تحسب لصالح سوناك في ظل غضب الجماهير من سلوكيات جونسون وتجاهله التام للقواعد والقوانين، بينما ظلت تراس في الحكومة وداعمة لجونسون حتى اللحظة الأخيرة.

كل هذه عوامل ثانوية، لكنها مؤثرة جداً في اتجاه تصويت الجماهير بالقدر ذاته الذي تحظى به القضايا الكبرى والتحديات التي تواجهها بريطانيا، وقدرة كلا المرشحين على التصدي لها وحلها. ولأن سوناك يدرك ميزة ليز تراس لدى جمهور أعضاء الحزب، فقد أشار في إعلان بيانه الانتخابي قبل أيام، إلى أنه ربما يكون «الطرف المستضعف»، لكنه قادر على حل مشاكل بريطانيا، والاقتصادية منها خاصة.

تركيز سوناك على ضبط المالية العامة للدولة، وحل مشاكل النظام الصحي، ومواجهة زيادة أعداد الهجرة غير القانونية، يستهدف بها دغدغة مشاعر الجمهور الواسع للمحافظين، وللناخبين البريطانيين عموماً، في ظل ما يعيشونه من أوضاع تزداد تردياً كل يوم، لكن تراس تُزايد عليه، وحتى على رئيسها جونسون، بإطلاق شعارات شعبوية قد تكون غير منطقية اقتصادياً لكنها أكثر اتساقاً مع مبادئ حزب المحافظين التقليدية. وشعاراتها أقرب ما تكون  وأحياناً أكثر مبالغة  من الشعارات التي ثبت كذبها وأقنعت البريطانيين بالتصويت لبريكست قبل ست سنوات.

تتعهد تراس بخفض الضرائب بنحو ثلاثين مليار جنيه إسترليني، وهي الزيادات التي فرضها سوناك كوزير للخزانة. صحيح أنها لا توضح كيف ستموّل هذا الخفض، لكن ذلك ربما يقلق الاقتصاديين وليس الناخبين من أعضاء الحزب، حتى على الرغم من أن هذا الخفض قد يجعل التضخم يزيد على عشرين في المئة، وبالتالي ترتفع أسعار الفائدة فوق سبعة في المئة، مع كل ما يعنيه ذلك من كوارث حياتية للأسر.

كما ترفع تراس شعار أنها ستمزّق كل القوانين والقواعد واللوائح المتبقية من وقت عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن ذلك سيطلق العنان لنمو هائل في الاقتصاد. وربما اختبر الناس الآن، بعد عامين من «بريكست»، أن كل الشعارات بأن الخروج من أوروبا سيجعل بريطانيا جنة اقتصادية، سقطت في اختبار الواقع.

قد يبدو ريشي سوناك أكثر واقعية وصراحة بأن «البلد في أزمة»، وأنه قادر على مواجهتها، لكن للأسف الجماهير العادية غالباً ما تحب من يخدعها، حتى لو كانت النتائج في ما بعد كارثية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"