عادي

الطاقة.. خاصرة أوروبا الرخوة

23:47 مساء
قراءة 4 دقائق
محطة استقبال ضخ الغاز الروسي في لوبمين في شمال شرقي ألمانيا عبر نورد ستريم 1 بطول 1224 كلم (أ.ف.ب)

كتب - بنيمين زرزور:

تتعمق أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي مع اقتراب فصل الشتاء، وتتعالى الأصوات المطالبة بالبحث عن حلول لأزمة يقول الروس إن الأوروبيين صنعوها بأنفسهم، بينما يعتقد صناع القرار الأوروبي أن مقاطعة روسيا وفرض العقوبات عليها كان أهون الشرّين.

تتفاوت درجة تأثر دول الاتحاد بالأزمة، ما انعكس في خلافاتهم المستمرة حول العقوبات وحول مواجهة الروس عموماً، في حرب لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، وسط إصرار الولايات المتحدة، الحليف الأقوى في المعسكر الغربي، على استمرارها.

ويؤثر انقطاع الغاز الروسي الجزئي في النمو الأوروبي، وسوف يكون الإغلاق الكامل أكثر حدة، وسط قتامة توقعات النمو العالمي، حيث يواجه الاقتصاد الأوروبي انتكاسة خطيرة بالنظر إلى الروابط التجارية والاستثمارية والمالية مع الدول المتحاربة. ولا تزال أوروبا حتى الآن تتحمل قطعاً جزئياً لصادرات الغاز الطبيعي من روسيا، أكبر مورد للطاقة لها.

ويثير احتمال حدوث إغلاق كامل مخاوف بشأن نقص الغاز، وارتفاع الأسعار، وبالتالي تعطل معظم القطاعات الاقتصادية. وبينما يتحرك صناع القرار بسرعة على أكثر من صعيد، فإنهم يفتقرون إلى خطط واضحة لإدارة الأزمة، وتقليص تأثيراتها.

ويقول تقرير لصندوق النقد الدولي إن تبعثر الأسواق الأوروبية وتأخر تمرير الأسعار عبر سلاسل المستهلكين فاقم التأثيرات، بينما خففت طبيعة سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي من حدتها.

وهناك خطر تعرض بعض البلدان الأكثر تضرراً في أوروبا الوسطى والشرقية - المجر وجمهورية سلوفاكيا وجمهورية التشيك - إلى حدوث عجز يصل إلى 40 في المئة من استهلاك الغاز وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسب تصل إلى 6 في المئة. ويختلف الاعتماد على الغاز الروسي ومصادر الطاقة الأخرى بشكل كبير من دولة إلى أخرى.

التكيف مع الأزمة

وقد نجحت البنية التحتية الأوروبية والإمدادات العالمية، حتى الآن، في التكيف مع انخفاض بنسبة 60 في المئة في شحنات الغاز الروسي منذ يونيو/ حزيران 2021. وانخفض إجمالي استهلاك الغاز في الربع الأول بنسبة 9 في المئة عن العام السابق، ويتم استغلال الإمدادات البديلة، خاصة الغاز الطبيعي المسال من مصادر عالمية.

وقال تقرير الصندوق إنه يمكن إدارة تخفيض يصل إلى 70 في المئة في الغاز الروسي على المدى القصير من خلال الوصول إلى الإمدادات البديلة ومصادر الطاقة مع انخفاض الطلب من الأسعار المرتفعة سابقاً.

وهذا يفسر سبب تمكن بعض الدول من وقف الواردات الروسية من جانب واحد. ومع ذلك، سيكون التنويع أكثر صعوبة في حالة الإغلاق التام. ويمكن أن تقلل الاختناقات من القدرة على إعادة توجيه الغاز داخل أوروبا بسبب النقص في طاقات الاستيراد، أو تعدد قيود النقل. ويمكن أن تؤدي هذه العوامل إلى نقص يتراوح بين 15 إلى 40 في المئة من الاستهلاك السنوي في بعض البلدان، في وسط وشرق أوروبا.

ويرسم سيناريو السوق المتكامل الذي يفترض أن الغاز يمكن أن يصل إلى كل نقطة مطلوب فيها، وأن الأسعار تتكيف مع الطوارئ، صورة أقل قتامة من سيناريو السوق المجزأ الذي يتم استخدامه بشكل أفضل عندما لا يمكن للغاز الذهاب إلى حيث تكون الحاجة ماسة إليه، بغض النظر عن مقدار ارتفاع الأسعار. وفي كلتا الحالين يبقى التقدير معقداً، نظراً لأن الضربة التي تلحق بالاقتصاد الأوروبي متشابكة وتدريجية.

ويشير سيناريو السوق المتكاملة حتى الآن، إلى أن هناك انخفاضاً بنسبة 0.2 في المئة في النشاط الاقتصادي للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2022.

وإذا ظلت أسواق الاتحاد الأوروبي متكاملة داخلياً ومع بقية العالم، فإن سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي من شأنه أن يساعد في الحد من الآثار الاقتصادية. لأن الاستهلاك المنخفض يتم توزيعه عبر جميع البلدان المرتبطة بالسوق العالمية. وفي الحالات الأصعب، بافتراض عدم وجود دعم للغاز الطبيعي المسال، فإن التأثير يتضاعف.

التأثير السلبي

أما إذا أعاقت القيود المادية تدفقات الغاز فلا شك في أن التأثير السلبي في الناتج الاقتصادي سوف يصل إلى نسبة 6 في المئة من الناتج الإجمالي لبعض البلدان، في وسط وشرق أوروبا، حيث كثافة استخدام الغاز الروسي عالية، والإمدادات البديلة نادرة، ولا سيما المجر وجمهورية سلوفاكيا وجمهورية التشيك. كما ستواجه إيطاليا أيضاً أضراراً فادحة بسبب اعتمادها الكبير على الغاز في إنتاج الكهرباء.

وسوف تكون التأثيرات في النمسا وألمانيا أقل حدة، ولكنها تظل كبيرة، اعتماداً على توافر مصادر بديلة والقدرة على خفض استهلاك الغاز المنزلي، بينما ستكون الآثار الاقتصادية معتدلة، ربما أقل من 1 في المئة، بالنسبة إلى البلدان الأخرى القادرة على الوصول إلى أسواق الغاز الطبيعي المسال الدولية.

وتشير تقديرات الصندوق إلى أن حالة عدم اليقين سوف تضاعف التأثيرات الاقتصادية في حال الإغلاق الروسي الكامل. وسوف تبلغ التأثيرات ذروتها العام المقبل، وقد تتلاشى إذا توفرت إمدادات الغاز البديلة.

ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الغاز بالجملة، إلى زيادة التضخم بشكل كبير، وبالتالي تغذية الشعور الشعبي بعدم الرضا، ما يهدد استقرار عدد من المجتمعات التي تعاني أساساً، من خلل في تركيبة الأحزاب السياسية حيث تتربص الحركات الشعبوية بها.

وقد تنبهت بعض الحكومات إلى خطورة مثل هذا السيناريو، حيث كشفت الأبحاث أن العديد من البلدان اختارت سياسات تحد بشدة من كيفية نقل أسعار الجملة إلى المستهلكين، مع تقديم تعويضات للأسر المستهدفة التي لا تستطيع تحمّل أسعار أعلى.

لقد فرضت الأزمة على الحكومات الأوروبية تحديات فاقت توقعاتها. ولذا تجد نفسها اليوم تحت ضغوط متعددة تتطلب تعزيز الجهود لتأمين الإمدادات من أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية والمصادر البديلة، ومواصلة التخفيف من اختناقات البنية التحتية لاستيراد وتوزيع الغاز، والتخطيط لمشاركة الإمدادات في حالات الطوارئ عبر الاتحاد الأوروبي، والعمل بشكل حاسم لتشجيع توفير الطاقة مع حماية الأسر الضعيفة، والاستعداد لتطبيق برامج تقنين الغاز الذكية.

وإذا كانت التحديات الجسام تتطلب تضحيات توازيها، فهذا يعني أن الأوروبيين مطالبون، مع قدوم فصل الشتاء، بشد الأحزمة على البطون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"