الوحدة العربية كعيش يومي

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

أصبح من الضروري المُلح أن يعالج موضوع الوحدة العربية الذي أصبح مدخلاً وجودياً مفصلياً لخروج الأمة العربية، بكل أقطارها وأنظمتها، من الدمار الذي لحق بها مؤخراً. أن يعالج لا كمكون من الفكر القومي العروبي ولا كشعار سياسي فقط، وإنما أيضاً، وبالأهمية نفسها، كممارسة سلوكية يومية على المستويين، الرسمي والشعبي.

   من هنا الأهمية القصوى لتوعية الفرد العربي توعية وحدوية، فكرية ومشاعرية وروحية، تجعل الفرد مرتبطاً، عاطفياً وذهنياً، بالأهمية القصوى لوحدة أمته من أجل استعادة عافيتها ونهضتها للوقوف أمام الأخطار الاستعمارية والإرهابية، والصراعات المذهبية والمناطقية والعرقية التي تمزقها، وتنهكها حالياً. هذا يحتاج إلى أن يتم على كل المستويات، وفي جميع الساحات، وبصورة مستمرة تدريجية، ولكن تراكمية متصاعدة.

  ولهذا يحتاج الأمر إلى سيرورة حياتية تبدأ في أجواء العائلة، أحاديث وأناشيد وتصرفات دعم، وفي المدرسة، مناهج ونشاطات وأناشيد صباحية، وأجواء مدرسية، وقدرة من قبل الأساتذة والإدارة، وفي كل مؤسسة مجتمعية مدنية، دعماً دينياً والتزاماً مهنياً وشعارات سياسية وشعبية. وبمعنى آخر نقل هذا الشعور الوجداني والذهني إلى عوالم الفعل والسلوك والالتزام.

  في أجواء كهذه تصبح الوحدة في مقدمة أحلام الأمة، طاردة لكوابيس التمزق والهوان ومشاعر الضعف المذل، وتصبح عيشاً متجدداً لتاريخ الأمة المشترك وآمالها المستقبلية المملوءة بالتفاؤل والإيمان الواثق المستبشر، وتتوقف عن أن تكون أيديولوجية يطرحها هذا الجزء من الأمة، ويرفضها ذلك الجزء الآخر.

   ذاك الزخم الوحدوي سيحتاج إلى دعم الكثير من الجهات، فعلى مستوى المدرسة والجامعة سيحتاج الأمر لقرار مشترك من قبل وزارات التربية والتعليم العربية، بالاشتراك مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، لجعل موضوع الوحدة العربية جزءاً من مقررات التربية الوطنية. وسيحتاج الأمر لقرار توجيهي ملزم من قبل وزراء الإعلام ووزراء الثقافة العرب، للمساهمة الفاعلة في نشر ثوابت وحدة الأمة وفي توعية الملايين المستمر بشأن الأهمية الوجودية لهذا الشعار القومي العروبي كطريق مفصلي لإنهاض الأمة.

   والأمر نفسه ينطبق على قيادات مؤسسات المجتمعات العربية المدنية، أحزاباً وجمعيات ونقابات ونوادي وروابط من أي نوع كانت، ألا ترى أي حرج في تبنّي هذا الشعار مهما كانت الإيديولوجية التي تتبناها مؤسساتهم: ليبرالية، أو إسلامية، أو اشتراكية، أو قومية.

 وهناك جانب مهم يتعلق بشابات وشباب الأمة، مطلوب منهم أن ينضموا لكل نوع من الاتحادات العربية، ويطالبوا بقيامها إن لم توجد. هذه خطوة ستنعش الاتحادات وتوسع قواعدها. أما الجانب المهم الآخر فهو أن يقلبوا وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية إلى أدوات توعية وإشادة لمفاهيم وسلوكات الوحدة، بحيث يساهمون في إيصالها إلى ملايين المواطنين العرب.

  موضوع الوحدة العربية لا يهم العاملين في السياسة فقط، إنه يهم الجميع من دون استثناء، ذلك أن تحققها يفيد الجميع، وعدم تحققها يضر الجميع. ولذلك تحتاج الوحدة لأن تكون في صلب الفلسفة والتاريخ وكل العلوم الاجتماعية من دون استثناء، وليس علم السياسة فقط، وفي صلب الفنون بكل أنواعها، وفي صلب كل النشاطات الترفيهية والرياضية. تحتاج أن تكون إحساساً يومياً ومسلكاً حياتياً يمسّ كل كيان الإنسان العربي.

وفي مقابل بناء كل تلك الأحاسيس والسلوكات والأحلام الإيجابية، الواقعية إلى أبعد الحدود، نحتاج إلى التوعية المستمرة بسلبيات وأخطار ما يعاكسها، أي التجزئة العربية، كأرض وشعوب وأنشطة وسلوكات وغياب لأية التزامات.

من هنا، يجب ألا نترك ذرة من جوانب الوحدة من دون الحفر والبناء والتطوير والنشر والتوعية، لأن نضالات الشباب والشابات ستكون عقيمة إن لم تجرِ في ظل هذا الوهج الوحدوي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"