العلاقات الصينية الإفريقية.. نهج اقتصادي بنّاء

21:52 مساء
قراءة 4 دقائق

أزهر عظم *
انخراط الصين في إفريقيا اقتصاديٌّ بحت، ولطالما عملت على دفع القارة السمراء قُدماً من خلال التجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية. وأسلوب «الفعل» بدلاً من «القول» أو إلقاء المحاضرات يلقى تأييداً دولياً واسعاً بأن بكين تُعد وجهة أجنبية ذات تأثير إيجابي وبنّاء في المنطقة.

التنمية الاقتصادية هي الهدف الأول لإفريقيا. ومع ذلك، فإن التسييس المتهور، وتهميش الأنشطة الاقتصادية والتجارية الدولية من قبل الولايات المتحدة وجهودها لبناء نظام أحادي يهدد طموح المنطقة، قد يكون أحد أسباب التأثير الإيجابي الأضعف بكثير للولايات المتحدة على القارة.

بالإضافة إلى ذلك، لا تمتلك بكين الإرث التاريخي السلبي مثل استعمار إفريقيا، وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وهي أكبر هجرة قسرية في التاريخ قتلت مليوني إفريقي بين عامي 1500 و1800، وجعلت العديد من الدول الغربية غنية للغاية من خلال استغلال عمالة العبيد. وعلى عكس الانتقادات الأمريكية للدول الإفريقية، تتجنب الصين التدخل في الشؤون الداخلية لإفريقيا.

ومن خلال اتباع نهج عملي، تستثمر الصين وتساعد في تطوير البنية التحتية لإفريقيا وخلق فرص العمل. كما توفر أيضاً منتجات رخيصة وقروضاً مهمة ودعماً اقتصادياً وسوقاً كبيراً لتصدير السلع والتدريب وتنمية المهارات للعمال الأفارقة. علاوة على ذلك، تدعو بكين جميع الدول الإفريقية إلى الاتحاد بقوة في إطار ممنهج مثل مجموعة «بريكس»، ومجموعة ال 77، وحركة عدم الانحياز لحماية مصالح الدول النامية وترسيخ العلاقات الثنائية.

«التجارة، وليس المعونة» هو ما أرادته إفريقيا دوماً للظهور كقوة اقتصادية دولية مهمة. ودعماً لهذه الرؤية، استوردت الصين في عام 2021 ما يقرب من 106 مليارات دولار من البضائع من القارة، بزيادة 43.7% على أساس سنوي. ويُعتقد أيضاً أنها أكبر مستثمر في إفريقيا هذا العام. وقد عزا مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، من بين عوامل أخرى، تحسن الأداء الاقتصادي في إفريقيا إلى جهود الصين التي سهّلت المزيد من الواردات الإفريقية. ولدفع الصادرات، تبنّت بكين كذلك سياسة التعرفة الجمركية الصفرية على 97 في المئة من البضائع القادمة من البلدان الأقل نمواً في القارة.

هناك رواية تغذيها الإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام مفادها أن الشركات الصينية تميل إلى توظيف المغتربين الصينيين مقابل عدد قليل جداً من الأفارقة المحليين. لكن بحثاً مكثفاً في العمل الميداني لمدة 4 سنوات أجرته جامعة لندن حول أنماط التوظيف والنتائج في قطاعي إنشاءات البنية التحتية والتصنيع عام 2019 تحدّى هذا التصور الغربي الواسع الانتشار.

ووجدت الدراسة أن معدلات توطين القوى العاملة ليست فقط أعلى بكثير مما يُبلَّغ عنه عادة، بل أيضاً تلقى العمال غير المهرة الأقل أجراً رواتب تتجاوز متوسط خطوط الفقر الدولية، بالإضافة إلى أن غالبية العمال يتقاضون رواتب أعلى بكثير من الحد الأدنى للأجور في القطاع.

وبما أن تطوير البنية التحتية هو الأولوية الملحة لإفريقيا، شيّدت الصين أكثر من 60% من أعمال البنية التحتية في القارة. وبالإضافة إلى تعزيز تحقيق الديمقراطية السلعية وحرية التسوق، تعمل مبادرة الحزام والطريق على بناء البنية التحتية الإفريقية بوتيرة أسرع بكثير، أي ما يقرب من ثلث الوقت الذي يحتاجه الآخرون. ومن شأن التنفيذ السريع للمشاريع أن يحسن الظروف المعيشية للأفارقة والقدرة التنافسية العالمية للقارة من خلال تعزيز التجارة وخلق فرص العمل إلى جانب ضمان التنمية المستدامة.

تشير التقديرات إلى أن متوسط المشروع الصيني قد رفع النمو في إفريقيا بنسبة 0.41% إلى 1.49% بعد عامين. وذكرت «الإيكونوميست» أنه على الرغم من أن الصين مقرض كبير في إفريقيا، إلا أنها نادراً ما تمثل ديون معظم البلدان هناك. وعلى الرغم من الادعاءات بأن الصين قد تصادر أصول المقترضين، لم يجد معهد الصين لأبحاث إفريقيا بجامعة «جونز هوبكنز» أي دليل على أن بكين كانت تحاول الاستفادة من البلدان «المثقلة بالديون» من خلال مصادرة أصولها.

تركز الصين بشكل أكبر على الأمن الغذائي، ومع حوالي 9% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، تُطعم بكين خمس سكان الأرض، وهو بحد ذاته إنجاز تاريخي. كما أنه يخفف الضغط على الإمدادات الغذائية الدولية. ومع ذلك، فقد أرسلت بكين معظم الخبراء الفنيين إلى البلدان النامية بما في ذلك تلك الموجودة في إفريقيا، وتبرعت بأكثر الأموال وقدمت أكبر مساعدات غذائية طارئة للعديد من الدول.

يجب على الدول التي تتهم بكين بتخزين الحبوب التوقف عن إلقاء اللوم عليها واتخاذ إجراءات فورية لتقليل فقد الغذاء في العالم المتقدم، حيث تبلغ كمية نفايات الطعام تقريباً نفس كمية الطعام المنتج في إفريقيا جنوب الصحراء. وفي الولايات المتحدة وحدها، تم إهدار حوالي 103 ملايين طن من المواد الغذائية بقيمة 161 مليار دولار في عام 2018، وذلك بحسب وزارة الزراعة الأمريكية.

لعقود من الزمان، لعبت الصين دوراً محورياً في التخفيف من حدة الفقر وتضييق فجوة عدم المساواة في إفريقيا من خلال الاستثمار ومشاريع البنية التحتية. وبكين مستعدة دوماً لمساعدة إفريقيا على إحلال السلام والاستقرار في منطقتها. ونظراً لأن النهج الذي يركز على النمو والسلمية يلبي متطلبات إفريقيا، فقد صمدت العلاقات الصينية الإفريقية في وجه العديد من العواصف في الماضي وستكون لبنة لبناء تعاون ثنائي أقوى بكثير في المستقبل.

*كاتب في القضايا الجيوسياسية والصراعات الإقليمية - عن«تشاينا ديلي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"