اللغة والساندويتش والقمح..

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

يتساءل الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو في كتابه «.. أتكلم جميع اللغات لكن بالعربية..» قائلاً: .. كيف يمكن للمرء أن يكون وحيد اللغة؟؟، ويقول إنه كان يعلم أن هناك لغة أخرى هي الأمازيغية.. «التي كان يمتلكها صاحب دكان الحيّ الذي كنت أقنطه. إذْ كانت اللغة الأمازيغية مرتبطة بالنسبة إليّ بالدكان..».
أما اللغة الفرنسية فقد كانت مرتبطة بقطعة من الساندويتش كان يراها في طريقه إلى المدرسة؛ حيث كان يمرّ على ثكنة عسكرية، وغالباً ما يرى عسكرياً يسير جيئةً وذهاباً.. «..وهو فرنسي طويل القامة ، يحمل على كتفه بندقيته ويعض بملء فمه ساندويتشاً..»، ويشرح كيليطو كيف اكتشف كلمة «ساندويتش» بالقول أن هذه الكلمة ذات أصل إنجليزي، وعلمت أنها مشتقة من الاسم الكونت دو ساندويتش الذي اكتشف طبّاخه هذا النوع من الأكلات.. «.. قطعة خبز مقسومة شطرين مع شيء ما يوضع بين الشطرين..».
حقل الطعام، وبخاصة في مشاهد الطفولة هو حقل لغوي بامتياز، ولن ينسى أطفال القرويين والمزارعين في الأرياف العربية  كيف كان آباؤهم وأجدادهم يجنون الحبوب من القمح والشعير. والذرة والعدس، ويودعونها أكياس الخيش ، وبعد ذلك كانت تلك الحبوب العزيزة النظيفة تتحوّل إلى طعام شهيّ في ليالي ونهارات تلك الأرياف..
كانت الجدّات يشقحن حبّات البندورة  وينشرْنها على بساط تحت الشمس، وتبقى البندورة المشقوحة يومين أو ثلاثة تحت شمس حارّة وهي مشبعة بالملح، ثم تخزن في أكياس صغيرة وقد أصبحت طماطم مجففة يجري تحويلها في ما بعد، إلى مرق أحمر لذيذ..
عرائس الذرة الممدّدة على جمر النار وإلى جوارها البطاطا المشوية، والبيض النائم تحت الجمر وقد تحوّل إلى وجبة ساخنة، ثم السنابل الخضراء التي تُشوى في نار هادئة أيضاً ليتحوّل قمحها إلى «فريكة» طيبة تطبخ مع اللحم أحياناً.
كل هذه المشاهد الريفية تحوّلت في الأدب وبخاصة في الشعر إلى لغة، وتحوّلت إلى ما يُسمّيه نقاد الأدب الصور الشعرية الريفية الفطرية، وراح هؤلاء النقّاد يصوغون نظريات ومصطلحات نقدية أدبية حول هذا القمح الفريك والطماطم الحمراء المملّحة من دون أن يكون قد عرف ناقد أدبي واحد حقل ذرة.
ليست اللغة هي قرينة ذلك الدكان والساندويتش اللذين رآهما عبد الفتاح كيليطو في صباه أو في شبابه.. بل اللغة، أيضاً، قرينة الأرض، والإنسان، والنبع، والسماء.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"